منتصر الزيات يكتب : عبود الزمر أشهر سجين سياسي
صفحة 1 من اصل 1
منتصر الزيات يكتب : عبود الزمر أشهر سجين سياسي
لم تزل المعلومات تنساب في تدفقاتها من الفينة إلي الفينة عن المقدم مخابرات متقاعد عبود الزمر، ولا تكاد تنقطع، وكلما انسابت حظيت باهتمامات القراء في مختلف أنحاء العالم، فالرجل لم يزل لغزا يحاول كثيرون فض أسراره، وهم يقرأون عن عمله السابق بالمخابرات قبل اكتشاف أمره بمحض الصدفة، كما يقول المصريون، هذا الضابط الذي حول منزله في هدوء عجيب وثقة مفرطة إلي مستودع للأسلحة والذخيرة، التي سوف تستعمل يوما ما قريبا في أشهر عملية اغتيال في القرن العشرين يوم السادس من أكتوبر ١٩٨١، وبينما أجهزة الأمن آنذاك تتابع رجلا حركيا في التنظيم، الذي لم يكد يولد في منتصف عام ٨٠، حتي شعرت به أجهزة الأمن في منتصف العام التالي، وهو نبيل المغربي والذي كان يعمل باحثاً بدار الاعتصام للنشر، فإذا به يدخل منزلا كائنا بمنطقة الهرم بالجيزة، وبالتحري عن صاحب المنزل الذي دخله «المتابع»، وجد أنه للمقدم مخابرات عبود الزمر، حيث تمت مداهمة المنزل يوم ٢٥/٩/١٩٨١، ولم يكن به صاحبه، الذي بدأ رحلة الفرار الكبري، حيث استأجر عبدالله سالم شقة مفروشة، وأعد لمحاولة اغتيال مفاجئة للسادات أثناء وجوده في استراحة القناطر الخيرية، وخاطبه السادات علي رؤوس الأشهاد في خطاب متلفز، يبث علي الهواء مباشرة، «الولد اللي هارب اللي عارف نفسه أنا مش حارحمه»، ورغم ذلك فقد حاول عبود أن يرحم السادات، ولكن هيهات أن توقف عجلة القدر، فرغم اعتراضات الزمر علي توقيت تنفيذ الخطة التي وضعها بنفسه للتنظيم، فإن القدر صنع خيوطه باختيار الملازم خالد الإسلامبولي في طابور العرض العسكري صبيحة يوم ٦ أكتوبر ٨١، بعد أن حرم من هذا الشرف عامين متتابعين لميوله الدينية المتطرفة، أو لعلاقاته بشخصيات متطرفة مثل الشيخ عبدالله السماوي والشيخ محمد عبدالسلام فرج وكرم زهدي وناجح إبراهيم وشقيقه الأكبر محمد الإسلامبولي، والذي قرر فور إخطاره بالاشتراك في العرض، أنه سيقتل السادات حتماً، وحمل الإسلامبولي هذه الرغبة المحسومة إلي منظر التنظيم المهندس عبدالسلام فرج، الذي كان يعمل بالأمانة العامة لجامعة القاهرة، ويقيم في منطقة بولاق الدكرور، والتي شهدت تجمع وولادة هذا التنظيم في شكله الأخير، بزعامة الشيخ الضرير عمر عبدالرحمن. أراد الزمر تأجيل التنفيذ للوقت المعلوم، لكنه لم يكن يعلم أن الوقت المعلوم اختاره الله، حينما تمسك به الإسلامبولي ومن ثم أمر به رئيس مجلس الشوري عبدالسلام فرج. وفي يوم ٥ أكتوبر ٨١ التقي الزمر الدكتور محمد طارق إبراهيم، موفداً إليه من فرج وحمل إليه خطة الاستيلاء علي أسلحة نارية من كتيبة يعمل بها أحد أعضاء التنظيم ويدعي صبري سويلم، وعرضت عليه أيضا خطة الاستيلاء علي الإذاعة والتليفزيون، لكن عبود اعتني بضرورة اتخاذ إجراءات تعمد إلي كسر حاجز الخوف أمام الشعب لإمكان تحريكه، وقد كان متأثراً بالثورة الإيرانية وبضرورة التواصل الشعبي.لم تكن هذه هي المحطة الوحيدة الغامضة لدي دوائر كثيرة في الرأي العام، وإنما أيضا قربه من السادات وما تردد عن اشتراكه في خطة اغتيال اللواء أحمد بدوي، أو إطلاعه بحكم عمله عن حقيقة المتورطين في تلك العملية، وتردد أنه كان واحدا من الذين علموا بها قبل وقوعها بفترة، وأن هذا هو أحد أسباب بحث السادات عنه، وعبثاً فشلت كل محاولات الزمر نفي اشتراكه في تلك العملية أو توفر قدر من المعلومات لديه يدحض الرواية «الشعبية» عن تدبير تلك المحاولة.لعل ارتباط دوائر شعبية بالزمر جعلت منه أشهر سجين سياسي في العالم العربي بل والعالم قاطبة، والتقدير الذي أحاطه به الفقراء والعامة من الناس يرجع إلي تقديرهم لنواياه وأصوله العريقة، فالزمر ينحدر من أسرة عريقة من قرية «ناهيا»، ثم درس الثانوية العامة في مدرسة السعيدية بالجيزة، ودخل الكلية الحربية، وأصبح ضابطا بسلاح المخابرات الحربية، وعمل تحت قيادة الفريق كمال حسن علي، رئيس الوزراء الأسبق، وقت قيادته سلاح المخابرات، وينظرون إلي تضحياته بالمكانة الاجتماعية التي اكتسبها وتمتع بها مقابل إيمانه بأفكاره ومعتقداته.كان عبود الزمر ضابطاً كفؤاً بالمخابرات العسكرية، وكان محل تقدير رؤسائه، وأذكر أنني في أوائل التسعينيات كنت أسعي في استخراج شهادة البكالوريوس في العلوم العسكرية للزمر من الكلية الحربية، بعد فترة طويلة من منع تسليمها له، مما اضطرني لرفع دعوي قضائية أمام مجلس الدولة، التي أنصفتنا بمنحنا هذا الحق، وأثناء التنفيذ ذهبت لتسلم الشهادة، والتقيت بعض الضباط الذين عملوا معه وأثنوا عليه ثناء طيبا، وقد توجت هذه النظرة التقديرية للزمر بتقدير القوات المسلحة المصرية له وتكريمه، رغم وجوده بالسجن تقديراً لكفاءاته ونبوغه وتفانيه في عمله، فقد منحه المشير محمد حسين طنطاوي عام ٢٠٠٤، الانضمام لأسرة سلاح المشاة، والاستفادة بجميع المزايا والخدمات التي تقدم لضباط المشاة منها العضوية العاملة لدور المشاة «القاهرة - فايد» بدون رسوم. وكذا التجديد والمشاركة في احتفالات وأعياد المشاة ويوم الوفاء لضباط المشاة والاتصال بقسم شؤون المتقاعدين بدار المشاة، لأي استفسارات، وتقديم الخدمات التي تقدم لضباط المشاة وتسهيل الخدمات التي تقدمها باقي أجهزة القيادة العامة.وطوال فترة محاكمة قتلة السادات ثم تنظيم الجهاد علي مدي ثلاث سنوات تقريبا، احتل الزمر واجهة المشهد أمام وسائل الإعلام التي كانت تغطي المحاكمة إعلامياً، وبدا جليا قدرة الزمر علي التواصل مع الإعلام، واحتل أغلفة العديد من الصحف والمجلات المصرية والعربية والدولية، وعندما التقيته أول مرة من خلال كوة في جدار زنزانة بسجن القلعة رأيته خلالها، داعبني ما رأيك؟ يقصد أني لأول مرة أشاهده ملتحيا، وكانت كل الصور التي نشرت له بدون لحية أثناء محاكمته عسكرياً ببزته العسكرية خلف القضبان، قلت له أنت بدونها أحلي، فضحك ملياً.. واستطردت أفسر مقاصدي أن مظهرك بتلك البزة العسكرية، ما علق في أذهان الناس عن منصبك المهم وصورتك التي تنشر بها تحلق من حولك القلوب أكثر من كونك ذا لحية مثل آلاف الشباب المتهم، وتواصلنا أياماً طويلة نتهامس عبر كوة الزنزانة حتي باغتنا حارس من الحراس، ووشي بنا فكانت النتيجة علقة ساخنة، تفرقت بنا السبل بعدها حتي التقينا بسجن طرة من جديد، وكنت استمتع بمجالسته والاستماع إليه، وقد كان الرجل ولم يزل بحق، شديد التواضع صاحب طرفه وابتسامة لا تترك وجهه، وحينما دبت الفتنة بين أصدقاء الأمس داخل السجن حافظت علي علاقتي بالرجل، كلما التقينا داخل السجن في جيئتي من محبسي من سجن أبوزعبل إلي حيث محبسه بطرة، مما سبب لي حرجاً مع زملائي بالجماعة الإسلامية، ولاحقتني اتهامات هؤلاء بالانحياز لعبود، حتي بعد الإفراج عني، صرت أصنف في أوساطنا بأني من مجموعته رغم هجري كل أشكال العمل التنظيمي، لكن في كل الأحوال حافظت علي علاقتي به، وكنت أهب لنجدته والذب عنه في كل ملمة وأزمة وهو أهل لذلك طبعا.وبدا نضج الرجل مبكرا من سنوات السجون والمعتقلات عندما أرسل من داخل محبسه في غضون عام ٨٦ تقريبا، رؤية لتكوين جبهة إسلامية موحدة تعمل علي نشر الإسلام بالطرق والوسائل السلمية، تتواصل خلالها الحركات الإسلامية قاطبة مع بعضها البعض، وحملت رسالته لكل من طلب توصيلها إليهم، غير أن الناس أعرضوا، وسعي للصلح بين رفاقه المتشاكسين ولم يفلح. وعندما نبتت فكرة مبادرة وقف العنف، كان الرجل من أوائل الذين حققوا لها دفعة معنوية هائلة بموافقته عليها، ومشاركته في إطلاقها، فلاشك أن وجوده ضمن من أطلقوها سبب لها رواجا وقبولا، لأنه الأكثر قبولاً ومعرفة لدي الناس خاصتهم وعامتهم، وأشهد أن الرجل كان ينفق من دخله الخاص ويبيع من أرضه لينفق سواء داخل السجن علي إخوانه، أو علي ضرورات المبادرة، وساهم في صياغة أول كتب سلسلة تصحيح المفاهيم، وتوالت تصريحات وتسريبات صحفية عن الرجل في الاتجاه الصحيح لحركة المراجعات الفكرية.نثمن بالتأكيد شجاعة الزمر في تصويب بعض مواقفه القديمة، فكلنا هذا الرجل ومن قبل كان العظماء من العلماء والقادة، وهي ميزة يتصف بها الحكماء، ومن هنا نثمن أيضا عدم انزلاق الزمر في مهاترات لا تناسب ما يتصف به من حكمة وشجاعة، لأن فرقا كبيرا بين المراجعات والتراجعات.والحقيقة أني استغرب تباطؤ الجهات الأمنية في إطلاق عبود الزمر وابن عمه طارق، من الواضح أن علاقة الزمر بالجهات الأمنية ليست علي ما يرام، ولعل ذلك مرتبط بشخصيته أكثر مما يرتبط برؤاه وأفكاره، لأني أعلم تماما أن الرجل حريص علي دعم حركة المراجعات الفكرية وتكوين جيل قادر علي المعارضة السياسية السلمية من منطلقات إسلامية، وهذا في حد ذاته كاف لتبديد المخاوف منه وتجاوز أسباب استمرار حبسه واعتقاله، لأن الإفراج عنه في كل الأحوال سيكون في الصالح العام، وإن اختلفت رؤيته الخاصة في معالجة أزمة العنف مع رؤي بعض القيادات الأمنية، وهنا ينبغي البحث بموضوعية في مدي المصلحة المحققة من استمرار اعتقاله أو إطلاقه بعيداً عن أي حساسيات خاصة لا تتعلق بصلب الموضوع.
أسامة صلاح- فنان راقى جدا
- عدد الرسائل : 3595
العمر : 56
البلد : اسكندرية
اللقب : ابو سيف
تاريخ التسجيل : 11/09/2007
أسامة صلاح- فنان راقى جدا
- عدد الرسائل : 3595
العمر : 56
البلد : اسكندرية
اللقب : ابو سيف
تاريخ التسجيل : 11/09/2007
مواضيع مماثلة
» لزمالك يتعادل ايجابيا مع مالية كفر الزيات
» هاتريك عبد الحليم ينقذ الزمالك من هزيمة أمام كفر الزيات
» برنامج جميل يكتب لك كلمات اي أغنية
» حقيقة صورة أشهر جني
» هذا العضو اعطانا الكثير فما رأيك فيما يكتب .._ hoss65_
» هاتريك عبد الحليم ينقذ الزمالك من هزيمة أمام كفر الزيات
» برنامج جميل يكتب لك كلمات اي أغنية
» حقيقة صورة أشهر جني
» هذا العضو اعطانا الكثير فما رأيك فيما يكتب .._ hoss65_
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى