بوتو.. الدمعة الأخيرة في عام الحزن الباكستاني

وصف المراقبون الباكستانيون رحيل رئيسة الوزراء الباكستانية بينظير بوتو الدامي بعد أن تم اغتيالها أمس في مهرجان انتخابي بمدينة روالبندي بأنه يمثل الدمعة الكبيرة والأخيرة في عيون عام 2007 الذي يشرف علي الانتهاء. مشيرين الي مخاوفهم من احتمالات تردي الأوضاع في البلاد مع حلول العام المقبل 2008 في ظل غياب بوتو.
وفي محاولة لتتبع مراحل حياة بوتو يشير المراقبون الي أن بينظير بوتو التي ولدت في شهر يوليو من عام 1953 هي أول امرأة في العصر الحديث تقود بلدا مسلما كبيرا كرئيسة وزراء له بينما كان عمرها لا يزيد علي 35 عاما. حيث تولت رئاسة الوزراء في باكستان لفترتين. كانت الأولي من 1988 الي 1990. وشهدت هذه الفترة زواجها من رجل الأعمال عاصف علي زرداري التي أنجبت منه أطفالها الثلاثة. ثم كانت الثانية بعد فترة غياب من 1993 الي .1996
الا ان المثير للانتباه ان بوتو قد تعرضت للاقالة من منصب رئيس الوزراء في المرتين وبتهم الفساد والتربح وإساءة استغلال السلطة وسوء الادارة.. كما تعرض زوجها رجل الأعمال عاصف علي زرداري للسجن لأكثر من ثماني سنوات بنفس التهم خلال الفترة من 1996 وحتي أواخر عام 2004. حيث كانت السيدة بوتو قد تمكنت من الفرار من باكستان للاقامة في بريطانيا ثم في دولة الامارات العربية المتحدة. ثم عادت بوتو الي باكستان في يوم الثامن عشر من شهر أكتوبر الماضي لتمثل أكبر رموز المعارضة الباكستانية في عيون المواطن الباكستاني علي مختلف اتجاهاته ومشاربه. وأصبحت أحد أبرز الوجوه المعارضة للرئيس برويز مشرف في فترة الاعداد لانتخابات التشريعية والاقليمية المقررة يوم الثامن من شهر يناير المقبل.
وتعد بينظير بوتو الابنة الكبري لرئيس الوزراء الباكستاني الأسبق ذو الفقار علي بوتو الذي أعدمه الجنرال محمد ضياء الحق الرئيس الأسبق لباكستان في شهر ابريل من عام .1979 ثم انتقلت وهي بعمر ستة عشر عاما الي الخارج لدراسة السياسة والاقتصاد في جامعتي هارفارد ثم اوكسفورد ثم عادت الي باكستان في عام 1977 لتخضع للسجن ثم الاعتقال الجبري بعد اعدام والدها في عام ..1979 عادت بينظير بوتو مرة أخري الي بريطانيا كمنفية سياسية في شهر يناير من عام 1984. ولكنها عادت الي بلادها مرة أخري بعد عامين فقط. ثم وضعها الرئيس ضياء الحق في السجن بعد ان شاركت في مظاهرة مناوئة له.. وأعادت تنظيم حزب الشعب وتسلمت قيادته لتفوز في الانتخابات العامة الباكستانية التي جرت في شهر نوفمبر من عام 1988 لتتولي منصب رئيسة الوزراء الباكستانية لتكون أول رئيسة وزراء لبلد اسلامي كبير في هذه السن الصغيرة ولكنها تعرضت للاقالة في شهر أغسطس من عام 1990 بتهمة الفساد واستغلال السلطة. وقدمتها الحكومة الباكستانية التي قادها نواز شريف زعيم حزب الرابطة الاسلامية الي المحاكمة خلال الفترة من سبتمبر 1990 وحتي شهر مايو من العام التالي 1991 بتهمتي سوء استخدام السلطة واختلاس أموال عامة.
ثم عادت بوتو الي رئاسة وزراء باكستان في شهر أكتوبر من عام 1993. ولكنها اقيلت مرة أخري في نهاية 1996 بتهم الفساد وسوء استغلال السلطة. واختارت بعد ذلك العيش في منفي اختياري في كل من بريطانيا ودولة الامارات العربية المتحدة حتي يوم 18 أكتوبر الماضي لتعود الي باكستان ولتلقي مصيرها الدامي في مدينة روالبندي في مشهد مأساوي سيظل طويلا في ذاكرة الأمة الباكستانية.
وكان عام 2007 الأكثر دموية في باكستان وبخاصة بنصفه الثاني منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. ومنذ بدء ما تصفها الولايات المتحدة الأمريكية بالحرب علي الارهاب والتي تقف فيها باكستان مشرف في طليعة دول العالم التي تخوضها تحت قيادة واشنطن.. وقد شهدت الفترة منذ شهر يوليو الماضي في باكستان العديد من الهجمات التفجيرية والانتحارية والتي كان آخرها حتي الآن أمس الأول الخميس والذي راحت ضحيته زعيمة المعارضة بينظير بوتو.
وكان أول هذه الهجمات يوم 14 يوليو الماضي حيث قام انتحاري يقود سيارة ملغومة بقتل 24 من أفراد الأمن واصابة 29 آخرين في مقاطعة وزيرستان الشمالي علي الحدود المشتركة مع أفغانستان.. وفي يوم 15 يوليو شهدت باكستان مقتل 16 شخصا معظمهم من أفراد الأمن في كمين نصب لدورية في وادي سوات بالاقليم الحدودي الشمالي الغربي. وفي واقعة منفصلة استهدف انتحاري مركزا لتجنيد أفراد للشرطة في منطقة ديرا اسماعيل خان بالاقليم ذاته فقتل 29 شخصا.
وفي 17 يوليو قام انتحاري بقتل 16 شخصا خارج محكمة في اسلام أباد حيث كان من المقرر أن يلقي افتخار تشودري كبير القضاة الذي أوقف عن العمل كلمة.. كما لقي ما لا يقل عن 52 شخصا مصرعهم يوم 19 يوليو الماضي أيضا في ثلاثة تفجيرات انتحارية في يوم واحد بثلاث بلدات.. وفي 27 من نفس الشهر جاء مقتل 13 شخصا معظمهم من أفراد الشرطة في هجوم انتحاري بقنبلة في مطعم قرب المسجد الأحمر باسلام أباد كما شن انتحاريان يوم الرابع من شهر سبتمبر هجومين انتحاريين قتلا خلالهما 25 شخصا في مدينة روالبندي. وفي11 سبتمبر الماضي قام انتحاري بقتل 16 شخصا في ديرا اسماعيل خان. كما شهد يوم 13 من الشهر نفسه مقتل ما لا يقل عن 15 جنديا في تفجير انتحاري استهدف مقصفا يتبع الجيش قرب قاعدة عسكرية قريبة من العاصمة اسلام آباد.. وعلي الرغم من زعامة بوتو السياسية للحزب الذي أسسه والدها ذو الفقار علي بوتو. الا انها تعرضت للاتهام من جانب أفراد أسرتها بقتل شقيقها وخصمها السياسي مرتضي بوتو في معركة مع قوات الأمن في شهر سبتمبر من 1996. وكان من بين من وجه اليها الاتهام ووقف في صف خصومها السياسيين والدتها غنوة بوتو التي قالت ان ابنتها بينظير أمرت بقتل شقيقها. كما اتهمت الأسرة زوج بينظير عاصف علي زرادري بالتورط في الجريمة.
غير ان من سخريات الأقدار ان بوتو التي لقيت مصرعها علي يد شخص يشتبه في انتمائه الي الحركات الدينية الموالية لحركة طالبان كانت هي التي قدمت الدعم لحركة طالبان في أفغانستان والتي قويت شوكتها في عهدها بدعم مالي ولوجستي مباشر في حكومة بوتو. وحتي عندما تولت حركة طالبان الحكم في كابول كانت باكستان احدي ثلاث دول فقط اعترفت بها.