الفصول فى اختصار سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الفصول فى اختصار سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
الفصول في اختصار سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
للفائدة العامة أنقل لكم محتوى هذا الكتاب القيم في حلقات :على بركة الله
ذكر نسبه صلى الله عليه وسلم
هو سيد ولد آدم أبو القاسم محمد وأحمد والماحي الذي يمحى به الكفر والحاشر الذي يحشر الناس والعاقب الذي ليس بعده نبي والمقفي ونبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملحمة ابن عبد الله وهو أخو الحارث والزبير وحمزة والعباس ويكنى أبا الفضل وأبي طالب واسمه عبد مناف وأبي لهب واسمه عبد العزى وعبد الكعبة هو المقوم وقيل هما اثنان وحجل واسمه المغيرة والغيداق وسمي بذلك لكثرة جوده وأصل اسمه نوفل وقيل جحل وضرار وصفية وعاتكة وأروى وأميمة وبرة وأم حكيم وهي البيضاء وهؤلاء كلهم أولاد عبد المطلب واسمه شيبة الحمد على الصحيح ابن هاشم واسمه عمرو وهو أخو المطلب وإليهما نسب ذوي القربى وعباد شمس ونوفل أربعتهم أبناء عبد مناف أخي عبد العزى وعبد الدار وعبد أبناء قصي واسمه زيد وهو أخو زهرة ابنا كلاب أخي تيم ويقظة أبي مخزوم ثلاثتهم أبناء مرة أخي عدي وهصيص وهم أبناء كعب أخي تيم الأدرم ابني غالب أخي الحارث ومحارب بني فهر أخي الحارث ابني مالك أخي الصلت ويخلد بني النضر أخي مالك وملكان وعبد مناة وغيرهم بني كنانة أخي أسد وأسدة والهون بني خزيمة أخي هذيل ابن مدركة واسمه عمرو وهو أخو طابخة واسمه عامر وقمعة وثلاثتهم أبناء الياس وأخو الياس هو عيلان والد قيس كلاهما ولد مضر أخي ربيعة وهم الصريحان من ولد إسماعيل وأخي أنمار وإياد وقد تيامنا أربعتهم أولاد نزار أخي قضاعة في قول أكثر أهل النسب كلاهما أبنا معد بن عدنان وقد بين ذلك الحافظ أبوعمر النمري في كتاب الأنباه بمعرفة قبائل الرواة بيانا شافيا رحمه الله تعالى وقريش على قول أكثر أهل النسب هم الذين ينتسبون الى فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وأنشدوا في ذلك قصي لعمري كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من وقيل بل جماع قريش هو النضر بن كنانة وعليه أكثر العلماء والمحققين واستدل على ذلك بالحديث الذي ذكره أبوعمر بن عبدالبر رحمه الله تعالى عن الأشعث بن قيس رضى الله عنه قال قدمت على رسول الله في وفد كندة فقلت ألستم منا يا رسول قال لا نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا وقد رواه ابن ماجه في سننه بإسناد حسن وفيه وكان الأشعث يقول لا أوتى برجل نفى رجلا من قريش من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد وقيل إن جماع قريش الياس بن مضر بن نزار وقيل جماعهم أبوه مضر وهما قولان لبعض أصحاب الشافعي حكاهما أبو القاسم عبد الكريم الرافعي في شرحه وهما وجهان غريبان جدا وأما قبائل اليمن كحمير وحضرموت وسبأ وغير ذلك فأولئك من قحطان ليسوا من عدنان وقضاعة فيها ثلاثة أقوال قيل إنها من العدنانية وقيل قحطانية وقيل بطن ثالث لا من هؤلاء ولا من هؤلاء وهو غريب حكاه أبو عمر وغيره فصل
ذكر نسبه صلى الله عليه وسلم بعد عدنان
وهذا النسب الذي سقناه إلى عدنان لا مرية فيه ولا نزاع وهو ثابت التواتر والإجماع وإنما الشأن فيما بعد ذلك لكن لا خلاف بين أهل النسب وغيرهم من علماء أهل الكتاب أن عدنان من ولد إسماعيل نبي الله وهو الذبيح على الصحيح من قول الصحابة والأئمة وإسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن عليه أفضل الصلاة والسلام وقد اختلف في كم أب بينهما على أقوال فأكثر ما قيل أربعون أبا وأقل ما قيل سبعة آباء وقيل تسعة وقيل خمسة عشر ثم اختلف في أسمائهم وقد كره بعض السلف والأئمة الانتساب إلى ما بعد عدنان ويحكى عن مالك ابن أنس الأصبحي الإمام رحمه الله أنه كره ذلك قال الإمام أبوعمر بن عبد البر في كتاب الإنباه والذي عليه أئمة هذا الشأن في نسب عدنان قالوا عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن بن تارح وهو آزر بن ناحور بن شاروح بن راعو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس النبي عليه السلام فيما يزعمون والله أعلم وهو أول نبي أعطي النبوة بعد آدم وشيث وأول من خط بالقلم بن يرد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شيث بن آدم صلى الله عليه وسلم هكذا ذكره محمد بن اسحاق بن يسار المدني صاحب السيرة النبوية وغيره من علماء النسب وقد نظم ذاك أبو العباس عبد الله بن محمد الناشي المعتزلي في قصيدة يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أوردها الإمام أبوعمر وشيخنا في تهذيبه وهي قصيدة بليغة أولها مدحت رسول الله أبغي بمدحه وفور خظوظي من كريم المآرب مدحت امرءا فاق المديح موحدا بأوصافه عن مبعد ومقارب فجميع قبائل العرب مجتمعون معه في عدنان ولهذا قال الله تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لم يكن بطن من قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة وهو صفوة الله منهم كما رواه مسلم في صحيحه عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله إختار كنانة من ولد إسماعيل ثم إختار من كنانة قريشا ثم إختار من قريش بني هاشم ثم اختارني من بني هاشم وكذلك بنو اسرائيل أنبياؤهم وغيرهم يجتمعون معه في إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب وهكذا أمر الله سبحانه بني إسرائيل على لسان موسى عليه السلام وهو فى التوارة كما ذكره غير واحد من العلماء ممن جمع بشارات الأنبياء به صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى قال لهم ما معناه سأقيم لكم من أولاد أخيكم نبيا كلكم يسمع له وأجعله عظيما جدا ولم يولد من نبي إسماعيل أعظم من محمد صلى الله عليه وسلم بل لم يولد من بني آدم أحد ولا يولد الى قيام الساعة أعظم منه صلى الله عليه وسلم فقد صح أنه قال أنا سيد ولد آدم ولا فخر آدم فمن دونه من الأنبياء تحت لوائي وصح عنه أنه سيقوم مقاما يرغب إليه الخلق كلهم حتى إبراهيم وهذا هو المقام المحمود الذي وعده الله تعالى وهو الشفاعة العظمى التي يشفع في الخلائق كلهم ليريحهم الله بالفصل بينهم من مقام المحشر كما جاء مفسرا في الأحاديث الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم وأمه صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة فصل
ولادته ورضاعه ونشأته
ولد صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول وقيل ثامنه وقيل عاشره وقيل لثنتي عشرة منه وقال الزبير بن بكار ولد في رمضان وهو شاذ حكاه السهيلي في روضه وذلك عام الفيل بعده بخمسين يوما وقيل بثمانية وخمسين يوما وقيل بعده بعشر سنين وقيل بعد الفيل بثلاثين عاما وقيل بأربعين عاما والصحيح أنه ولد عام الفيل وقد حكاه إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري وخليفة ابن خياط وغيرهما إجماعا ومات أبوه وهو حمل وقيل بعد ولادته بأشهر وقيل بسنة وقيل بسنتين والمشهور الأول واسترضع له في بني سعد فأرضعته حليمة السعدية كما روينا ذلك بإسناد صحيح وأقام عندها في بني سعد نحوا من أربع سنين وشق عن فؤاده هناك فردته إلى أمه فخرجت به أمه إلى المدينة تزور أخواله بالمدينة فتوفيت بالأبواء وهي راجعة إلى مكة وله من العمر ست سنين وثلاثة أشهر وعشرة أيام وقيل بل أربع سنين وقد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بالأبواء وهو ذاهب إلى مكة عام الفتح استأذن ربه في زيارة قبر أمه فأذن له فبكى وأبكى من حوله وكان معه ألف مقنع يعنى بالحديد فلما ماتت أمه حضنته أم أيمن وهي مولاته ورثها من أبيه وكفله جده عبد المطلب فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من العمر ثماني سنين توفي جده وأوصى به إلى عمه أبى طالب لأنه كان شقيق عبدالله فكفله وحاطه أتم حياطة ونصره حين بعثه الله أعز نصر مع أنه كان مستمرا على شركه إلى أن مات فخفف الله بذلك من عذابه كما صح الحديث بذلك وخرج به عمه إلى الشام في تجارة وهو ابن ثنتي عشرة سنة وذلك من تمام لطفه به لعدم من يقوم به إذا تركه بمكة فرأى هو وأصحابه ممن خرج معه إلى الشام من الآيات فيه صلى الله عليه وسلم ما زاد عمه في الوصاة به والحرص عليه كما رواه الترمذي في جامعه بإسناد رجاله كلهم ثقات من تظليل الغمامة له وميل الشجرة بظلها عليه واهتمام بحيرا الراهب به وأمره لعمه بالرجوع به لئلا يراه اليهود فيرمونه سوءا والحديث له أصل محفوظ وفيه زيادات أخرى ثم خرج ثانيا إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها مع غلامها ميسرة على سبيل القراض فرأى ميسرة ما بهره من شأنه فرجع فأخبر سيدته بما رأى فرغبت إليه أن يتزوجها لما رجت في ذلك من الخير الذي جمعه الله لها وفوق ما يخطر ببال بشر فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وله خمس وعشرون سنة وكان الله سبحانه قد صانه وحماه من صغره وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب ومنحه كل خلق جميل حتى لم يعرف بين قومه إلا بالأمين لما شاهدوا من طهارته وصدق حديثه وأمانته حتى إنه لما بنت قريش الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره فوصلوا إلى موضع الحجر الأسود اشتجروا فيمن يضع الحجر موضعه فقالت كل قبيلة نحن نضعه ثم اتفقوا على أن يضعه أول داخل عليهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا جاء الأمين فرضوا به فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه صلى الله عليه وسلم فصل
مبعثه صلى الله عليه وسلم
ولما أراد الله تعالى رحمه العباد وكرامته بإرساله العالمين حبب إليه الخلاء وكان يتحنث في غار حراء كما كان يصنع ذلك متعبدو ذلك الزمان كما قال أبو طالب في قصيدته المشهورة اللامية وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه وراق ليرقى في حراء ونازل ففجأة الحق وهو بغار حراء في رمضان وله من العمر اربعون سنة فجاءه الملك فقال له اقرأ قال لست بقارئ فغته حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال له اقرأ قال ليست بقارئ ثلاثا ثم قال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره فأخبر بذلك خديجة رضي الله تعالى عنهما وقال قد خشيت على عقلي فثبتته وقالت أبشر كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتعين على نوائب الدهرفي أوصاف أخر جميلة عددتها من أخلاقه صلى الله عليه وسلم وتصديقا منها له وتثبيتا وإعانة على الحق فهي أول صديق له رضي الله تعالى عنها وأكرمها ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يمكث لا يرى شيئا وفتر عنه الوحي فاغتم لذلك وذهب مرارا ليتردى من رؤوس الجبال وذلك من شوقه إلى ما رأى أول مرة من حلاوة ما شاهده من وحي الله فقيل إن فترة الوحي كانت قريبا من سنتين أو اكثر ثم تبدى له الملك بين السماء والأرض على كرسي وثبته وبشره بأنه رسول الله حقا فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق منه وذهب الى خديجة وقال زملوني دثروني فأنزل الله عليه يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر وكانت الحال الأولى حال نبوة وإيحاء ثم أمره في هذه الآية أن ينذر قومه ويدعوهم إلى الله فشمر صلى الله عليه وسلم عن ساق التكليف وقام في طاعة الله أتم قيام يدعو إلى الله سبحانه الكبير والصغير والحر والعبد والرجال والنساء والأسود والأحمر فاستجاب له عباد الله من كل قبيلة وكان حائز سبقهم أبوبكر رضي الله عنه عبد الله بن عثمان التيمي وآزره في دين الله ودعا معه الى الله على بصيرة فاستجاب لأبي بكر عثمان بن عفان وطلحة وسعد بن أبي وقاص وأما علي فأسلم صغيرا ابن ثماني سنين وقيل كان إسلامه قبل إسلام أبي بكر وقيل لا وعلى كل حال فإسلامه ليس كإسلام الصديق لأنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه من عمه إعانة على سنة محل وكذلك أسلمت خديجة وزيد بن حارثة وأسلم القس ورقة بن نوفل فصدق بما وجد من وحي الله وتمنى أن لو كان جذعا وذلك أول ما نزل الوحي وقد روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه في المنام في هيئة حسنة وجاء في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت القس عليه ثياب بيض وفي الصحيحين أنه قال هذا الناموس الذي جاء موسى بن عمران لما ذهبت خديجة به إليه فقص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى من أمر جبريل عليه السلام ودخل من شرح الله صدره للاسلام على نور وبصيرة ومعاينة فأخذهم سفهاء مكة بالأذى والعقوبة وصان الله وحماه بعمه أبي طالب لأنه كان شريفا مطاعا فيهم نبيلا بينهم لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر محمد صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من محبته له وكان من حكمة الله بقاؤه على دينهم لما في ذلك من المصلحة فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الى الله ليلا ونهارا سرا وجهارا لا يصده عن ذلك صاد ولا يرده عنه راد ولا يأخذه في الله لومة لائم فصل
للفائدة العامة أنقل لكم محتوى هذا الكتاب القيم في حلقات :على بركة الله
ذكر نسبه صلى الله عليه وسلم
هو سيد ولد آدم أبو القاسم محمد وأحمد والماحي الذي يمحى به الكفر والحاشر الذي يحشر الناس والعاقب الذي ليس بعده نبي والمقفي ونبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملحمة ابن عبد الله وهو أخو الحارث والزبير وحمزة والعباس ويكنى أبا الفضل وأبي طالب واسمه عبد مناف وأبي لهب واسمه عبد العزى وعبد الكعبة هو المقوم وقيل هما اثنان وحجل واسمه المغيرة والغيداق وسمي بذلك لكثرة جوده وأصل اسمه نوفل وقيل جحل وضرار وصفية وعاتكة وأروى وأميمة وبرة وأم حكيم وهي البيضاء وهؤلاء كلهم أولاد عبد المطلب واسمه شيبة الحمد على الصحيح ابن هاشم واسمه عمرو وهو أخو المطلب وإليهما نسب ذوي القربى وعباد شمس ونوفل أربعتهم أبناء عبد مناف أخي عبد العزى وعبد الدار وعبد أبناء قصي واسمه زيد وهو أخو زهرة ابنا كلاب أخي تيم ويقظة أبي مخزوم ثلاثتهم أبناء مرة أخي عدي وهصيص وهم أبناء كعب أخي تيم الأدرم ابني غالب أخي الحارث ومحارب بني فهر أخي الحارث ابني مالك أخي الصلت ويخلد بني النضر أخي مالك وملكان وعبد مناة وغيرهم بني كنانة أخي أسد وأسدة والهون بني خزيمة أخي هذيل ابن مدركة واسمه عمرو وهو أخو طابخة واسمه عامر وقمعة وثلاثتهم أبناء الياس وأخو الياس هو عيلان والد قيس كلاهما ولد مضر أخي ربيعة وهم الصريحان من ولد إسماعيل وأخي أنمار وإياد وقد تيامنا أربعتهم أولاد نزار أخي قضاعة في قول أكثر أهل النسب كلاهما أبنا معد بن عدنان وقد بين ذلك الحافظ أبوعمر النمري في كتاب الأنباه بمعرفة قبائل الرواة بيانا شافيا رحمه الله تعالى وقريش على قول أكثر أهل النسب هم الذين ينتسبون الى فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وأنشدوا في ذلك قصي لعمري كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من وقيل بل جماع قريش هو النضر بن كنانة وعليه أكثر العلماء والمحققين واستدل على ذلك بالحديث الذي ذكره أبوعمر بن عبدالبر رحمه الله تعالى عن الأشعث بن قيس رضى الله عنه قال قدمت على رسول الله في وفد كندة فقلت ألستم منا يا رسول قال لا نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا وقد رواه ابن ماجه في سننه بإسناد حسن وفيه وكان الأشعث يقول لا أوتى برجل نفى رجلا من قريش من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد وقيل إن جماع قريش الياس بن مضر بن نزار وقيل جماعهم أبوه مضر وهما قولان لبعض أصحاب الشافعي حكاهما أبو القاسم عبد الكريم الرافعي في شرحه وهما وجهان غريبان جدا وأما قبائل اليمن كحمير وحضرموت وسبأ وغير ذلك فأولئك من قحطان ليسوا من عدنان وقضاعة فيها ثلاثة أقوال قيل إنها من العدنانية وقيل قحطانية وقيل بطن ثالث لا من هؤلاء ولا من هؤلاء وهو غريب حكاه أبو عمر وغيره فصل
ذكر نسبه صلى الله عليه وسلم بعد عدنان
وهذا النسب الذي سقناه إلى عدنان لا مرية فيه ولا نزاع وهو ثابت التواتر والإجماع وإنما الشأن فيما بعد ذلك لكن لا خلاف بين أهل النسب وغيرهم من علماء أهل الكتاب أن عدنان من ولد إسماعيل نبي الله وهو الذبيح على الصحيح من قول الصحابة والأئمة وإسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن عليه أفضل الصلاة والسلام وقد اختلف في كم أب بينهما على أقوال فأكثر ما قيل أربعون أبا وأقل ما قيل سبعة آباء وقيل تسعة وقيل خمسة عشر ثم اختلف في أسمائهم وقد كره بعض السلف والأئمة الانتساب إلى ما بعد عدنان ويحكى عن مالك ابن أنس الأصبحي الإمام رحمه الله أنه كره ذلك قال الإمام أبوعمر بن عبد البر في كتاب الإنباه والذي عليه أئمة هذا الشأن في نسب عدنان قالوا عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن بن تارح وهو آزر بن ناحور بن شاروح بن راعو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس النبي عليه السلام فيما يزعمون والله أعلم وهو أول نبي أعطي النبوة بعد آدم وشيث وأول من خط بالقلم بن يرد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شيث بن آدم صلى الله عليه وسلم هكذا ذكره محمد بن اسحاق بن يسار المدني صاحب السيرة النبوية وغيره من علماء النسب وقد نظم ذاك أبو العباس عبد الله بن محمد الناشي المعتزلي في قصيدة يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أوردها الإمام أبوعمر وشيخنا في تهذيبه وهي قصيدة بليغة أولها مدحت رسول الله أبغي بمدحه وفور خظوظي من كريم المآرب مدحت امرءا فاق المديح موحدا بأوصافه عن مبعد ومقارب فجميع قبائل العرب مجتمعون معه في عدنان ولهذا قال الله تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لم يكن بطن من قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة وهو صفوة الله منهم كما رواه مسلم في صحيحه عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله إختار كنانة من ولد إسماعيل ثم إختار من كنانة قريشا ثم إختار من قريش بني هاشم ثم اختارني من بني هاشم وكذلك بنو اسرائيل أنبياؤهم وغيرهم يجتمعون معه في إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب وهكذا أمر الله سبحانه بني إسرائيل على لسان موسى عليه السلام وهو فى التوارة كما ذكره غير واحد من العلماء ممن جمع بشارات الأنبياء به صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى قال لهم ما معناه سأقيم لكم من أولاد أخيكم نبيا كلكم يسمع له وأجعله عظيما جدا ولم يولد من نبي إسماعيل أعظم من محمد صلى الله عليه وسلم بل لم يولد من بني آدم أحد ولا يولد الى قيام الساعة أعظم منه صلى الله عليه وسلم فقد صح أنه قال أنا سيد ولد آدم ولا فخر آدم فمن دونه من الأنبياء تحت لوائي وصح عنه أنه سيقوم مقاما يرغب إليه الخلق كلهم حتى إبراهيم وهذا هو المقام المحمود الذي وعده الله تعالى وهو الشفاعة العظمى التي يشفع في الخلائق كلهم ليريحهم الله بالفصل بينهم من مقام المحشر كما جاء مفسرا في الأحاديث الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم وأمه صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة فصل
ولادته ورضاعه ونشأته
ولد صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول وقيل ثامنه وقيل عاشره وقيل لثنتي عشرة منه وقال الزبير بن بكار ولد في رمضان وهو شاذ حكاه السهيلي في روضه وذلك عام الفيل بعده بخمسين يوما وقيل بثمانية وخمسين يوما وقيل بعده بعشر سنين وقيل بعد الفيل بثلاثين عاما وقيل بأربعين عاما والصحيح أنه ولد عام الفيل وقد حكاه إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري وخليفة ابن خياط وغيرهما إجماعا ومات أبوه وهو حمل وقيل بعد ولادته بأشهر وقيل بسنة وقيل بسنتين والمشهور الأول واسترضع له في بني سعد فأرضعته حليمة السعدية كما روينا ذلك بإسناد صحيح وأقام عندها في بني سعد نحوا من أربع سنين وشق عن فؤاده هناك فردته إلى أمه فخرجت به أمه إلى المدينة تزور أخواله بالمدينة فتوفيت بالأبواء وهي راجعة إلى مكة وله من العمر ست سنين وثلاثة أشهر وعشرة أيام وقيل بل أربع سنين وقد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بالأبواء وهو ذاهب إلى مكة عام الفتح استأذن ربه في زيارة قبر أمه فأذن له فبكى وأبكى من حوله وكان معه ألف مقنع يعنى بالحديد فلما ماتت أمه حضنته أم أيمن وهي مولاته ورثها من أبيه وكفله جده عبد المطلب فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من العمر ثماني سنين توفي جده وأوصى به إلى عمه أبى طالب لأنه كان شقيق عبدالله فكفله وحاطه أتم حياطة ونصره حين بعثه الله أعز نصر مع أنه كان مستمرا على شركه إلى أن مات فخفف الله بذلك من عذابه كما صح الحديث بذلك وخرج به عمه إلى الشام في تجارة وهو ابن ثنتي عشرة سنة وذلك من تمام لطفه به لعدم من يقوم به إذا تركه بمكة فرأى هو وأصحابه ممن خرج معه إلى الشام من الآيات فيه صلى الله عليه وسلم ما زاد عمه في الوصاة به والحرص عليه كما رواه الترمذي في جامعه بإسناد رجاله كلهم ثقات من تظليل الغمامة له وميل الشجرة بظلها عليه واهتمام بحيرا الراهب به وأمره لعمه بالرجوع به لئلا يراه اليهود فيرمونه سوءا والحديث له أصل محفوظ وفيه زيادات أخرى ثم خرج ثانيا إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها مع غلامها ميسرة على سبيل القراض فرأى ميسرة ما بهره من شأنه فرجع فأخبر سيدته بما رأى فرغبت إليه أن يتزوجها لما رجت في ذلك من الخير الذي جمعه الله لها وفوق ما يخطر ببال بشر فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وله خمس وعشرون سنة وكان الله سبحانه قد صانه وحماه من صغره وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب ومنحه كل خلق جميل حتى لم يعرف بين قومه إلا بالأمين لما شاهدوا من طهارته وصدق حديثه وأمانته حتى إنه لما بنت قريش الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره فوصلوا إلى موضع الحجر الأسود اشتجروا فيمن يضع الحجر موضعه فقالت كل قبيلة نحن نضعه ثم اتفقوا على أن يضعه أول داخل عليهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا جاء الأمين فرضوا به فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه صلى الله عليه وسلم فصل
مبعثه صلى الله عليه وسلم
ولما أراد الله تعالى رحمه العباد وكرامته بإرساله العالمين حبب إليه الخلاء وكان يتحنث في غار حراء كما كان يصنع ذلك متعبدو ذلك الزمان كما قال أبو طالب في قصيدته المشهورة اللامية وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه وراق ليرقى في حراء ونازل ففجأة الحق وهو بغار حراء في رمضان وله من العمر اربعون سنة فجاءه الملك فقال له اقرأ قال لست بقارئ فغته حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال له اقرأ قال ليست بقارئ ثلاثا ثم قال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره فأخبر بذلك خديجة رضي الله تعالى عنهما وقال قد خشيت على عقلي فثبتته وقالت أبشر كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتعين على نوائب الدهرفي أوصاف أخر جميلة عددتها من أخلاقه صلى الله عليه وسلم وتصديقا منها له وتثبيتا وإعانة على الحق فهي أول صديق له رضي الله تعالى عنها وأكرمها ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يمكث لا يرى شيئا وفتر عنه الوحي فاغتم لذلك وذهب مرارا ليتردى من رؤوس الجبال وذلك من شوقه إلى ما رأى أول مرة من حلاوة ما شاهده من وحي الله فقيل إن فترة الوحي كانت قريبا من سنتين أو اكثر ثم تبدى له الملك بين السماء والأرض على كرسي وثبته وبشره بأنه رسول الله حقا فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق منه وذهب الى خديجة وقال زملوني دثروني فأنزل الله عليه يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر وكانت الحال الأولى حال نبوة وإيحاء ثم أمره في هذه الآية أن ينذر قومه ويدعوهم إلى الله فشمر صلى الله عليه وسلم عن ساق التكليف وقام في طاعة الله أتم قيام يدعو إلى الله سبحانه الكبير والصغير والحر والعبد والرجال والنساء والأسود والأحمر فاستجاب له عباد الله من كل قبيلة وكان حائز سبقهم أبوبكر رضي الله عنه عبد الله بن عثمان التيمي وآزره في دين الله ودعا معه الى الله على بصيرة فاستجاب لأبي بكر عثمان بن عفان وطلحة وسعد بن أبي وقاص وأما علي فأسلم صغيرا ابن ثماني سنين وقيل كان إسلامه قبل إسلام أبي بكر وقيل لا وعلى كل حال فإسلامه ليس كإسلام الصديق لأنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه من عمه إعانة على سنة محل وكذلك أسلمت خديجة وزيد بن حارثة وأسلم القس ورقة بن نوفل فصدق بما وجد من وحي الله وتمنى أن لو كان جذعا وذلك أول ما نزل الوحي وقد روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه في المنام في هيئة حسنة وجاء في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت القس عليه ثياب بيض وفي الصحيحين أنه قال هذا الناموس الذي جاء موسى بن عمران لما ذهبت خديجة به إليه فقص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى من أمر جبريل عليه السلام ودخل من شرح الله صدره للاسلام على نور وبصيرة ومعاينة فأخذهم سفهاء مكة بالأذى والعقوبة وصان الله وحماه بعمه أبي طالب لأنه كان شريفا مطاعا فيهم نبيلا بينهم لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر محمد صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من محبته له وكان من حكمة الله بقاؤه على دينهم لما في ذلك من المصلحة فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الى الله ليلا ونهارا سرا وجهارا لا يصده عن ذلك صاد ولا يرده عنه راد ولا يأخذه في الله لومة لائم فصل
د/ايمان- عضو جديد
- عدد الرسائل : 23
العمر : 36
البلد : القاهرة
رقم العضوية : 443
تاريخ التسجيل : 17/01/2008
رد: الفصول فى اختصار سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
الجزء الثاني
فتنة المعذبين والهجرة الى الحبشة
ولما اشتد أذى المشركين على من آمن وفتنوا جماعة إنهم كانوا يصبرونهم ويلقونهم في الحر ويضعون الصخرة العظيمة على صدر أحدهم في شدة الحر حتى إن أحدهم إذا أطلق لا يستطيع أن يجلس من شدة الألم فيقولون لأحدهم اللات إلهك من دون الله فيقول مكرها نعم وحتى إن الجعل ليمر فيقولون وهذا إلهك من دون الله فيقول نعم ومر الخبيث عدو الله أبو جهل عمرو بن هشام بسمية أم عمار هي تعذب وزوجها وابنها فطعنها بحربة في فرجها فقتلها رضي الله عنها وعن ابنها وزوجها وكان الصديق رضي الله تعالى عنه إذا مر بأحد من الموالي يعذب يشتريه من مواليه ويعتقه منهم بلال وأمه حمامة وعامر بن فهيرة وأم عبيس وزنيرة والنهدية وابنتها وجارية بني عدي كان عمر يعذبها على الاسلام قبل أن يسلم حتى قال أبوه قحافة أبو يا بني أراك تعتق رقابا ضعافا فلو أعتقت قوما جلدا يمنعون فقال له أبو بكر إني أريد ما أريد فيقال إنه نزلت فيه وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى الى أخر السورة فلما اشتد البلاء أذن الله سبحانه وتعالى في الهجرة الى أرض الحبشة وهي في غربي مكة بين البلدين صحاري السودان والبحر الآخذ من اليمن إلى في القلزم فكان أول من خرج فارا بدينه الى الحبشة عثمان بن عفان رضي الله عنه ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعه الناس وقيل بل أول من هاجر إلى أرض الحبشة أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نضر بن مالك ثم خرج جعفر بن أبي طالب وجماعات رضي الله عنهم وأرضاهم وكانوا قريبا من ثمانين رجلا وقد ذكر محمد بن إسحاق في جملة من هاجر إلى أرض الحبشة أبا موسى الاشعري عبدالله بن قيس وما أدري ما حمله على هذا فإن هذا أمر ظاهر لا يخفى على من هو دونه في هذا الشأن وقد أنكر ذلك عليه الواقدي وغيره من أهل المغازي وقالوا إن أبا موسى إنما هاجر من اليمن إلى الحبشة الى عند جعفر كما جاء ذلك مصرحا في الصحيح من روايته رضي الله عنه فانحاز المهاجرون الى مملكة أصحمة النجاشي فآواهم وأكرمهم فكانوا عنده آمنين فلما علمت قريش بذلك بعثت في إثرهم عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بهدايا وتحف من بلادهم الى النجاشي ليردهم عليهم فأبى ذلك عليهم وتشفعوا اليه بالقواد من جنده فلم يجبهم الى ما طلبوا فوشوا إليه إن هؤلاء يقولون في عيسى قولا عظيما يقولون إنه عبد فأحضر المسلمون الى مجلسه وزعيمهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقال ما يقول هؤلاء إنكم تقولون في عيسى فتلا عليه جعفر سورة كهيعص فلما فرغ أخذ النجاشي عودا من الأرض فقال ما زاد هذا على ما في التوراة ولا هذا العود ثم قال اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي من سبكم غرم وقال لعمرو وعبدالله لو أعطيتموني دبرا من ذهب يقول جبلا من ذهب ما سلمتهم إليكما ثم أمر فردت عليهما هداياهما ورجعا مقبوحين بشر خيبة وأسوئها فصل
مقاطعة قريش لبني هاشم وبني المطلب
ثم أسلم حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجماعة كثيرون وفشا الاسلام فلما رأت قريش ذلك ساءها وأجمعوا على أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف ألا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبةويقال إن الذي كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف ويقال بل النضر بن الحارث فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وانحاز الى الشعب بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم الا أبا لهب لعنه الله فإنه ظاهر قريشا وبقوا على تلك الحال لا يدخل عليهم أحد نحوا من ثلاث سنين وبعد ذلك قال أبو طالب قصيدته المشهورة جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا ثم سعى في نقض تلك الصحيفة أقوام من قريش فكان القائم في أمر ذلك هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي مشى في ذلك الى مطعم بن عدي وجماعة من قريش فأجابوه إلى ذلك وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه أن الله قد أرسل على تلك الصحيفة الأرضة فأكلت جميع ما فيها الا ذكر الله عز وجل فكان كذلك ثم رجع بنو هاشم وبنو المطلب الى مكة وحصل الصلح برغم من أبي جهل عمرو بن هشام واتصل الخبر بالذين هم بالحبشة أن قريشا أسلموا فقدم مكة منهم جماعة فوجدوا البلاء والشدة كما كانا فاستمروا بمكة الى أن هاجروا الى المدينة الا السكران بن عمرو زوج سودة بنت زمعة فإنه مات بعد مقدمه من الحبشة بمكة قبل الهجرة الى المدينة وإلا سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة فإنهما احتبسا مستضعفين وإلا عبد الله بن مخرمة بن عبدالعزى فإنه حبس فلما كان يوم بدر هرب من المشركين الى المسلمين
خروج النبي صلى الله عليه وسلم الى الطائف
فلما نقضت الصحيفة وافق موت خديجة رضي الله عنها وموت أبي طالب وكان بينهما ثلاثة أيام فاشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفهاء قومه واجترؤوا عليه فخرج رسول اله صلى الله عليه وسلم الى الطائف لكي يؤوه وينصروه على قومه ويمنعوه منهم ودعاهم الى الله عزوجل فلم يجيبوه الى شيء من الذي طلب وآذوه أذى عظيما لم ينل قومه منه أكثر مما نالوا منه فرجع عنهم ودخل مكة في جوار المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وجعل يدعو الى الله عز وجل فأسلم الطفيل بن عمرو الدوسي ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله له آية فجعل الله في وجهه نورا فقال يا رسول الله أخشى أن يقولوا هذا مثله فدعا له فصار النور في سوطه فهو المعروف بذي النور ودعا الطفيل قومه الى الله فأسلم بعضهم وأقام في بلاده فلما فتح الله على رسوله خيبر قدم بهم في نحو من ثمانين بيتا فصل
الإسراء والمعراج وعرض النبي نفسه على القبائل
وأسرى برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بجسده على الصحيح من قول الصحابة والعلماء من المسجد الحرام الى بيت المقدس راكبا البراق في صحبة جبريل عليه السلام فنزل ثم أم بالأنبياء ببيت المقدس فصلى ثم عرج به تلك الليلة من هناك الى السماء الدنيا ثم للتي تليها ثم الثالثة ثم الى التي تليها ثم الخامسة ثم التي تليها ثم السابعة ورأى الأنبياء في السموات على منازلهم ثم عرج به الى سدرة المنتهى ورأى عندها جبريل على الصورة التي خلقه الله عليها وفرض عليه الصلوات تلك الليلة واختلف العلماء هل رأى ربه عز وجل اولا على قولين فصح عن ابن عباس انه قال رأى ربه وجاء في رواية عنه رآه بفؤاده وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها أنكرت ذلك على قائله وقالت هي وابن مسعود إنما رأى جبريل وروى مسلم في صحيحه من حديث قتادة عن عبدالله بن شقيق عن أبى ذر أنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال نور أنى أراه وفي رواية رأيت نورا فهذا الحديث كاف في هذه المسألة ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه أخبرهم بما أراه الله من آياته الكبرى فاشتد تكذيبهم له وأذاهم واستجراؤهم عليه وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل أيام الموسم ويقول من رجل يحملني الى قومه فيمنعني حتى أبلغ رسالة ربي فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي هذا وعمه أبو لهب لعنه الله وراءه يقول للناس لا تسمعوا منه فإنه كذاب فكان أحياء العرب يتحامونه لما يسمعون من قريش عنه إنه كاذب إنه ساحر إنه كاهن إنه شاعر أكاذيب يقذفونه بها من تلقاء أنفسهم فيصغي إليهم من لا تمييز له من الأحياء وأما الألباء فإنهم إذا سمعوا كلامه وتفهموه شهدوا بأن ما يقول حق وأنهم مفترون عليه فيسلمون فصل حديث سويد بن الصامت وإسلام إياس بن معاذ وكان مما صنع الله لأنصاره من الأوس والخزرج انهم كانوا يسمعون من حلفائهم من يهود المدينة ان نبيا مبعوث في هذا الزمن ويتوعدونهم به إذا حاربوهم ويقولون إنا سنقتلكم معه قتل عاد وإرم وكان الأنصار يحجون البيت وأما اليهود فلا فلما رأى الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس الى الله تعالى ورأوا أمارات الصدق عليه قالوا والله هذا الذي توعدكم يهود به فلا يسبقنكم إليه وكان سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف بن الأوس قد قدم مكة فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبعد ولم يجب ثم انصرف الى المدينة فقتل في بعض حروبهم وكان سويد هذا ابن خالة عبدالمطلب ثم قدم مكة ابو الحيسر أنس بن رافع في فتية من قومه من بني عبد الأشهل يطلبون الحلف فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الإسلام فقال إياس بن معاذ منهم وكان شابا حدثا يا قوم هذا والله خير مما جئنا له فضربه أبو الحيسر وانتهره فسكت ثم لم يتم لهم الحلف فانصرفوا الى بلادهم الى المدينة فيقال إن إياس بن معاذ مات مسلما فصل
بيعة العقبة الأولى والثانية
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عند العقبة في الموسم نفرا من الأنصار كلهم من الخزرج وهم أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس وعوف بن الحارث بن رفاعة وهو ابن عفراء ورافع بن مالك بن العجلان وقطبة بن عامر بن حديدة وعقبة بن عامر بن نابي وجابر بن عبدالله بن رئاب فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الإسلام فأسلموا مبادرة الى الخير ثم رجعوا الى المدينة فدعوا الى الإسلام ففشا الإسلام فيها حتى لم تبق دار وقد دخلها الإسلام فلما كان العام المقبل جاء منهم اثنا عشر رجلا الستة الأوائل خلا جابر ابن عبدالله بن رئاب ومعهم معاذ بن الحارث بن رفاعة أخو عوف المتقدم وذكوان بن عبد قيس بن خلدة وقد أقام ذكوان هذا بمكة حتى هاجر الى المدينة فيقال إنه مهاجري أنصاري وعبادة بن الصامت بن قيس وأبو عبدالرحمن يزيد بن ثعلبة فهؤلاء عشرة من الخزرج واثنان من الأوس وهما أبو الهيثم مالك بن التيهان وعويم بن ساعدة فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيعة النساء ولم يكن امر بالقتال بعد فلما انصرفوا الى المدينة بعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أم مكتوم ومصعب بن عمير يعلمان من أسلم منهم القرآن ويدعوان الى الله عزوجل فنزلا على أبي أمامة أسعد بن زرارة وكان مصعب بن عمير يؤمهم وقد جمع بهم يوما بأربعين نفسا فأسلم على يديها أسيد بن حضير وسعد بن معاذ وأسلم بإسلامهما يؤمئذ جميع بني عبد الأشهل الرجال والنساء إلا الأصيرم وهو عمرو بن ثابت بن وقش فإنه تأخر إسلامه الى يوم أحد فأسلم يومئذ وقاتل فقتل قبل أن يسجد لله سجدة فأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمل قليلا وأجر كثيرا وكثر الاسلام بالمدينة وظهر ثم رجع مصعب الى مكة ووافى الموسم ذلك العام خلق كثير من الأنصار من المسلمين والمشركين وزعيم القوم البراء بن معرور رضي الله عنه فلما كانت ليلة العقبة الثلث الأول منها تسلل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم خفية من قومهم ومن كفار مكة على ان يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وكان أول من بايعه ليلتئذ البراء بن معرور وكانت له اليد البيضاء إذ أكد العقد وبادر إليه وحضر العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم موثقا مؤكدا للبيعة مع أنه كان بعد على دين قومه واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم تلك الليلة اثني عشر نقيبا وهم أسعد بن زرارة ابن عدس وسعد بن الربيع بن عمرو وعبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس ورافع بن مالك بن العجلان والبراء بن معرور بن صخر بن خنساء وعبدالله بن عمرو بن حرام وهو والد جابر وكان قد أسلم تلك الليلة رضي الله عنه وسعد بن عبادة بن دليم والمنذر بن عمرو بن خنيس وعبادة بن الصامت فهؤلاء تسعة من الخزرج ومن الأوس ثلاثة وهم أسيد بن الحضير ابن سماك وسعد بن خيثمة بن الحارث ورفاعة بن عبد المنذر بن زبير وقيل بل أبو الهيثم بن التيهان مكانه ثم الناس بعدهم والمرأتان هما أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو التي قتل مسيلمة ابنها حبيب بن زيد بن عاصم بن كعب وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي فلما تمت هذه البيعة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يميلوا على أهل العقبة فلم يأذن لهم في ذلك بل أذن للمسلمين بعدها من أهل مكة في الهجرة الى المدينة فبادر الناس الى ذلك فكان أول من خرج الى المدينة من أهل مكة أبو سلمة بن عبد الأسد هو وإمرأته ام سلمة فاحتبست دونه ومنعت من اللحاق به وحيل بينها وبين ولدها ثم خرجت بعد السنة بولدها الى المدينة وشيعها عثمان بن طلحة ويقال إن أبا سلمة هاجر قبل العقبة الأخيرة فالله أعلم ثم خرج الناس أرسالا يتبع بعضهم بعضا فصل
فتنة المعذبين والهجرة الى الحبشة
ولما اشتد أذى المشركين على من آمن وفتنوا جماعة إنهم كانوا يصبرونهم ويلقونهم في الحر ويضعون الصخرة العظيمة على صدر أحدهم في شدة الحر حتى إن أحدهم إذا أطلق لا يستطيع أن يجلس من شدة الألم فيقولون لأحدهم اللات إلهك من دون الله فيقول مكرها نعم وحتى إن الجعل ليمر فيقولون وهذا إلهك من دون الله فيقول نعم ومر الخبيث عدو الله أبو جهل عمرو بن هشام بسمية أم عمار هي تعذب وزوجها وابنها فطعنها بحربة في فرجها فقتلها رضي الله عنها وعن ابنها وزوجها وكان الصديق رضي الله تعالى عنه إذا مر بأحد من الموالي يعذب يشتريه من مواليه ويعتقه منهم بلال وأمه حمامة وعامر بن فهيرة وأم عبيس وزنيرة والنهدية وابنتها وجارية بني عدي كان عمر يعذبها على الاسلام قبل أن يسلم حتى قال أبوه قحافة أبو يا بني أراك تعتق رقابا ضعافا فلو أعتقت قوما جلدا يمنعون فقال له أبو بكر إني أريد ما أريد فيقال إنه نزلت فيه وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى الى أخر السورة فلما اشتد البلاء أذن الله سبحانه وتعالى في الهجرة الى أرض الحبشة وهي في غربي مكة بين البلدين صحاري السودان والبحر الآخذ من اليمن إلى في القلزم فكان أول من خرج فارا بدينه الى الحبشة عثمان بن عفان رضي الله عنه ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعه الناس وقيل بل أول من هاجر إلى أرض الحبشة أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نضر بن مالك ثم خرج جعفر بن أبي طالب وجماعات رضي الله عنهم وأرضاهم وكانوا قريبا من ثمانين رجلا وقد ذكر محمد بن إسحاق في جملة من هاجر إلى أرض الحبشة أبا موسى الاشعري عبدالله بن قيس وما أدري ما حمله على هذا فإن هذا أمر ظاهر لا يخفى على من هو دونه في هذا الشأن وقد أنكر ذلك عليه الواقدي وغيره من أهل المغازي وقالوا إن أبا موسى إنما هاجر من اليمن إلى الحبشة الى عند جعفر كما جاء ذلك مصرحا في الصحيح من روايته رضي الله عنه فانحاز المهاجرون الى مملكة أصحمة النجاشي فآواهم وأكرمهم فكانوا عنده آمنين فلما علمت قريش بذلك بعثت في إثرهم عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بهدايا وتحف من بلادهم الى النجاشي ليردهم عليهم فأبى ذلك عليهم وتشفعوا اليه بالقواد من جنده فلم يجبهم الى ما طلبوا فوشوا إليه إن هؤلاء يقولون في عيسى قولا عظيما يقولون إنه عبد فأحضر المسلمون الى مجلسه وزعيمهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقال ما يقول هؤلاء إنكم تقولون في عيسى فتلا عليه جعفر سورة كهيعص فلما فرغ أخذ النجاشي عودا من الأرض فقال ما زاد هذا على ما في التوراة ولا هذا العود ثم قال اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي من سبكم غرم وقال لعمرو وعبدالله لو أعطيتموني دبرا من ذهب يقول جبلا من ذهب ما سلمتهم إليكما ثم أمر فردت عليهما هداياهما ورجعا مقبوحين بشر خيبة وأسوئها فصل
مقاطعة قريش لبني هاشم وبني المطلب
ثم أسلم حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجماعة كثيرون وفشا الاسلام فلما رأت قريش ذلك ساءها وأجمعوا على أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف ألا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبةويقال إن الذي كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف ويقال بل النضر بن الحارث فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وانحاز الى الشعب بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم الا أبا لهب لعنه الله فإنه ظاهر قريشا وبقوا على تلك الحال لا يدخل عليهم أحد نحوا من ثلاث سنين وبعد ذلك قال أبو طالب قصيدته المشهورة جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا ثم سعى في نقض تلك الصحيفة أقوام من قريش فكان القائم في أمر ذلك هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي مشى في ذلك الى مطعم بن عدي وجماعة من قريش فأجابوه إلى ذلك وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه أن الله قد أرسل على تلك الصحيفة الأرضة فأكلت جميع ما فيها الا ذكر الله عز وجل فكان كذلك ثم رجع بنو هاشم وبنو المطلب الى مكة وحصل الصلح برغم من أبي جهل عمرو بن هشام واتصل الخبر بالذين هم بالحبشة أن قريشا أسلموا فقدم مكة منهم جماعة فوجدوا البلاء والشدة كما كانا فاستمروا بمكة الى أن هاجروا الى المدينة الا السكران بن عمرو زوج سودة بنت زمعة فإنه مات بعد مقدمه من الحبشة بمكة قبل الهجرة الى المدينة وإلا سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة فإنهما احتبسا مستضعفين وإلا عبد الله بن مخرمة بن عبدالعزى فإنه حبس فلما كان يوم بدر هرب من المشركين الى المسلمين
خروج النبي صلى الله عليه وسلم الى الطائف
فلما نقضت الصحيفة وافق موت خديجة رضي الله عنها وموت أبي طالب وكان بينهما ثلاثة أيام فاشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفهاء قومه واجترؤوا عليه فخرج رسول اله صلى الله عليه وسلم الى الطائف لكي يؤوه وينصروه على قومه ويمنعوه منهم ودعاهم الى الله عزوجل فلم يجيبوه الى شيء من الذي طلب وآذوه أذى عظيما لم ينل قومه منه أكثر مما نالوا منه فرجع عنهم ودخل مكة في جوار المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وجعل يدعو الى الله عز وجل فأسلم الطفيل بن عمرو الدوسي ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله له آية فجعل الله في وجهه نورا فقال يا رسول الله أخشى أن يقولوا هذا مثله فدعا له فصار النور في سوطه فهو المعروف بذي النور ودعا الطفيل قومه الى الله فأسلم بعضهم وأقام في بلاده فلما فتح الله على رسوله خيبر قدم بهم في نحو من ثمانين بيتا فصل
الإسراء والمعراج وعرض النبي نفسه على القبائل
وأسرى برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بجسده على الصحيح من قول الصحابة والعلماء من المسجد الحرام الى بيت المقدس راكبا البراق في صحبة جبريل عليه السلام فنزل ثم أم بالأنبياء ببيت المقدس فصلى ثم عرج به تلك الليلة من هناك الى السماء الدنيا ثم للتي تليها ثم الثالثة ثم الى التي تليها ثم الخامسة ثم التي تليها ثم السابعة ورأى الأنبياء في السموات على منازلهم ثم عرج به الى سدرة المنتهى ورأى عندها جبريل على الصورة التي خلقه الله عليها وفرض عليه الصلوات تلك الليلة واختلف العلماء هل رأى ربه عز وجل اولا على قولين فصح عن ابن عباس انه قال رأى ربه وجاء في رواية عنه رآه بفؤاده وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها أنكرت ذلك على قائله وقالت هي وابن مسعود إنما رأى جبريل وروى مسلم في صحيحه من حديث قتادة عن عبدالله بن شقيق عن أبى ذر أنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال نور أنى أراه وفي رواية رأيت نورا فهذا الحديث كاف في هذه المسألة ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه أخبرهم بما أراه الله من آياته الكبرى فاشتد تكذيبهم له وأذاهم واستجراؤهم عليه وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل أيام الموسم ويقول من رجل يحملني الى قومه فيمنعني حتى أبلغ رسالة ربي فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي هذا وعمه أبو لهب لعنه الله وراءه يقول للناس لا تسمعوا منه فإنه كذاب فكان أحياء العرب يتحامونه لما يسمعون من قريش عنه إنه كاذب إنه ساحر إنه كاهن إنه شاعر أكاذيب يقذفونه بها من تلقاء أنفسهم فيصغي إليهم من لا تمييز له من الأحياء وأما الألباء فإنهم إذا سمعوا كلامه وتفهموه شهدوا بأن ما يقول حق وأنهم مفترون عليه فيسلمون فصل حديث سويد بن الصامت وإسلام إياس بن معاذ وكان مما صنع الله لأنصاره من الأوس والخزرج انهم كانوا يسمعون من حلفائهم من يهود المدينة ان نبيا مبعوث في هذا الزمن ويتوعدونهم به إذا حاربوهم ويقولون إنا سنقتلكم معه قتل عاد وإرم وكان الأنصار يحجون البيت وأما اليهود فلا فلما رأى الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس الى الله تعالى ورأوا أمارات الصدق عليه قالوا والله هذا الذي توعدكم يهود به فلا يسبقنكم إليه وكان سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف بن الأوس قد قدم مكة فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبعد ولم يجب ثم انصرف الى المدينة فقتل في بعض حروبهم وكان سويد هذا ابن خالة عبدالمطلب ثم قدم مكة ابو الحيسر أنس بن رافع في فتية من قومه من بني عبد الأشهل يطلبون الحلف فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الإسلام فقال إياس بن معاذ منهم وكان شابا حدثا يا قوم هذا والله خير مما جئنا له فضربه أبو الحيسر وانتهره فسكت ثم لم يتم لهم الحلف فانصرفوا الى بلادهم الى المدينة فيقال إن إياس بن معاذ مات مسلما فصل
بيعة العقبة الأولى والثانية
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عند العقبة في الموسم نفرا من الأنصار كلهم من الخزرج وهم أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس وعوف بن الحارث بن رفاعة وهو ابن عفراء ورافع بن مالك بن العجلان وقطبة بن عامر بن حديدة وعقبة بن عامر بن نابي وجابر بن عبدالله بن رئاب فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الإسلام فأسلموا مبادرة الى الخير ثم رجعوا الى المدينة فدعوا الى الإسلام ففشا الإسلام فيها حتى لم تبق دار وقد دخلها الإسلام فلما كان العام المقبل جاء منهم اثنا عشر رجلا الستة الأوائل خلا جابر ابن عبدالله بن رئاب ومعهم معاذ بن الحارث بن رفاعة أخو عوف المتقدم وذكوان بن عبد قيس بن خلدة وقد أقام ذكوان هذا بمكة حتى هاجر الى المدينة فيقال إنه مهاجري أنصاري وعبادة بن الصامت بن قيس وأبو عبدالرحمن يزيد بن ثعلبة فهؤلاء عشرة من الخزرج واثنان من الأوس وهما أبو الهيثم مالك بن التيهان وعويم بن ساعدة فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيعة النساء ولم يكن امر بالقتال بعد فلما انصرفوا الى المدينة بعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أم مكتوم ومصعب بن عمير يعلمان من أسلم منهم القرآن ويدعوان الى الله عزوجل فنزلا على أبي أمامة أسعد بن زرارة وكان مصعب بن عمير يؤمهم وقد جمع بهم يوما بأربعين نفسا فأسلم على يديها أسيد بن حضير وسعد بن معاذ وأسلم بإسلامهما يؤمئذ جميع بني عبد الأشهل الرجال والنساء إلا الأصيرم وهو عمرو بن ثابت بن وقش فإنه تأخر إسلامه الى يوم أحد فأسلم يومئذ وقاتل فقتل قبل أن يسجد لله سجدة فأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمل قليلا وأجر كثيرا وكثر الاسلام بالمدينة وظهر ثم رجع مصعب الى مكة ووافى الموسم ذلك العام خلق كثير من الأنصار من المسلمين والمشركين وزعيم القوم البراء بن معرور رضي الله عنه فلما كانت ليلة العقبة الثلث الأول منها تسلل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم خفية من قومهم ومن كفار مكة على ان يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وكان أول من بايعه ليلتئذ البراء بن معرور وكانت له اليد البيضاء إذ أكد العقد وبادر إليه وحضر العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم موثقا مؤكدا للبيعة مع أنه كان بعد على دين قومه واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم تلك الليلة اثني عشر نقيبا وهم أسعد بن زرارة ابن عدس وسعد بن الربيع بن عمرو وعبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس ورافع بن مالك بن العجلان والبراء بن معرور بن صخر بن خنساء وعبدالله بن عمرو بن حرام وهو والد جابر وكان قد أسلم تلك الليلة رضي الله عنه وسعد بن عبادة بن دليم والمنذر بن عمرو بن خنيس وعبادة بن الصامت فهؤلاء تسعة من الخزرج ومن الأوس ثلاثة وهم أسيد بن الحضير ابن سماك وسعد بن خيثمة بن الحارث ورفاعة بن عبد المنذر بن زبير وقيل بل أبو الهيثم بن التيهان مكانه ثم الناس بعدهم والمرأتان هما أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو التي قتل مسيلمة ابنها حبيب بن زيد بن عاصم بن كعب وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي فلما تمت هذه البيعة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يميلوا على أهل العقبة فلم يأذن لهم في ذلك بل أذن للمسلمين بعدها من أهل مكة في الهجرة الى المدينة فبادر الناس الى ذلك فكان أول من خرج الى المدينة من أهل مكة أبو سلمة بن عبد الأسد هو وإمرأته ام سلمة فاحتبست دونه ومنعت من اللحاق به وحيل بينها وبين ولدها ثم خرجت بعد السنة بولدها الى المدينة وشيعها عثمان بن طلحة ويقال إن أبا سلمة هاجر قبل العقبة الأخيرة فالله أعلم ثم خرج الناس أرسالا يتبع بعضهم بعضا فصل
د/ايمان- عضو جديد
- عدد الرسائل : 23
العمر : 36
البلد : القاهرة
رقم العضوية : 443
تاريخ التسجيل : 17/01/2008
رد: الفصول فى اختصار سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
الجزء الثالث
هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولم يبق من المسلمين إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعلي رضي الله تعالى عنهما أقاما بأمره لهما وخلا من اعتقله المشركون كرها وقد أعد أبو بكر رضي الله عنه جهازه وجهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم منتظرا حتى يأذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في الخروج فلما كانت ليلة هم المشركون بالفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم وأرصدوا على الباب أقواما إذا خرج عليهم قتلوه فلما خرج عليهم لم يره منهم أحد وقد جاء في حديث انه ذر على رأس كل واحد منهم ترابا ثم خلص الى بيت ابي بكر رضي الله عنه فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلا وقد استأجرا عبدالله بن أريقط وكان هاديا خريتا ماهرا بالدلالة إلى أرض المدينة وأمناه على ذلك مع انه كان على دين قومه وسلما اليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث فلما حصلا في الغار أعمى الله على قريش خبرهما فلم يدروا اين ذهبا وكان عامر بن فهيرة يريح عليهما غنما لأبي بكر وكانت أسماء بنت أبي بكر تحمل لهما الزاد الى الغار وكان عبدالله بن أبي بكر يتسمع ما يقال بمكة ثم يذهب إليهما بذلك فيحترزان منه وجاء المشركون في طلبهما الى ثور وما هناك من الأماكن حتى إنهم مروا على باب الغار وحاذت أقدامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه وعمى الله عليهم باب الغار ويقال والله أعلم إن العنكبوت سدت على باب الغار وإن حمامتين عششتا على بابه وذلك تأويل قوله تعالى إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم وذلك أن أبا بكر رضي الله تعالى لشدة حرصه بكى حين مر المشركون وقال يا رسول الله لو أن أحدهم نظر موضع قدميه لرآنا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ولما كان بعد الثلاث أتى ابن أريقط بالراحلتين فركباهما وأردف أبو بكر عامر ابن فهيرة وسار الديلي أمامهما على راحلته وجعلت قريش لمن جاء بواحد من محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه مائة من الإبل فلما مروا بحي مدلج بصر بهم سراقة بن مالك بن جعشم سيد مدلج فركب جواده وسار في طلبهم فلما قرب منهم سمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه يكثر الالتفات حذرا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم لايلتفت فقال أبو بكر يا رسول الله هذا سراقة بن مالك قد رهقنا فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخت يدا فرسه في الأرض فقال رميت إن الذي أصابني بدعائكما فادعوا الله لي ولكما علي أن أرد الناس عنكما فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتابا فكتب له أبو بكر في أدم ورجع يقول للناس قد كفيتم ماههنا وقد جاء مسلما عام حجة الوداع ودفع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب الذي كتبه له فوفى له رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وعده وهو لذلك أهل ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيرة ذلك بخيمة أم معبد فقال عندها ورأت من آيات نبوته في الشاة وحلبها لبنا كثيرا في سنة مجدبة ما بهر العقول صلى الله عليه وسلم
دخوله عليه الصلاة والسلام المدينة
وقد كان بلغ الأنصار مخرجه من مكة وقصده إياهم فكانوا كل يوم يخرجون الى الحرة ينتظرونه فلما كان يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول على رأس ثلاث عشرة سنة من نبوته صلى الله عليه وسلم وافاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى وكان قد خرج الأنصار يومئذ فلما طال عليهم رجعوا الى بيوتهم وكان أول من بصر به رجل من اليهود وكان على سطح أطمه فنادى بأعلى صوته يا نبي قيلة هذا جدكم الذي تنتظرون فخرج الأنصار في سلاحهم وحيوه بتحية النبوة ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء على كلثوم بن الهدم وقيل بل على سعد بن خيثمة وجاء المسلمون يسلمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرهم لم يره بعد وكان بعضهم أو أكثرهم يظنه أبا بكر لكثرة شيبه فلما أشتد الحر قام أبو بكر بثوب يظلل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحقق الناس حيئذ رسول الله الصلاة والسلام
فصل
استقراره عليه الصلاة والسلام بالمدينة
فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء أياما وقيل أربعة عشر يوما وأسس مسجد قباء ثم ركب بأمر الله تعالى فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن رانونا ورغب إليه أهل تلك الدار أن ينزل عليهم فقال دعوها فإنها مأمورة فلم تزل ناقته سائرة به لا تمر بدار من دور الأنصار إلا رغبوا إليه في النزول عليهم فيقول دعوها فإنها مأمورة فلما جاءت موضع مسجده اليوم بركت ولم ينزل عنها صلى الله عليه وسلم حتى نهضت وسارت قليلا ثم التفتت ورجعت فبركت موضعها الأول فنزل عنها صلى الله عليه وسلم وذلك في دار بني النجار فحمل أبو أيوب رضي الله عنه رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى منزله واشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع المسجد وكان مربدا ليتيمين وبناه مسجدا فهو مسجده الآن وبني لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرا الى جانبه واما علي رضي الله عنه فأقام بمكة ريثما أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده وغير ذلك ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
ووادع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بالمدينة من اليهود وكتب بذلك كتابا وأسلم حبرهم عبدالله بن سلام رضي الله عنه وكفر عامتهم وكانوا ثلاث قبائل بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظه وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار فكانوا يتوارثون بهذا الإخاء في ابتداء الاسلام إرثا مقدما على القرابة وفرض الله سبحانه وتعالى إذ ذاك الزكاة رفقا بفقراء المهاجرين وكذا ذكر ابن حزم في هذا التاريخ وقد قال بعض الحفاظ من علماء الحديث إنه أعياه فرض الزكاة متى كان فصل
هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولم يبق من المسلمين إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعلي رضي الله تعالى عنهما أقاما بأمره لهما وخلا من اعتقله المشركون كرها وقد أعد أبو بكر رضي الله عنه جهازه وجهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم منتظرا حتى يأذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في الخروج فلما كانت ليلة هم المشركون بالفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم وأرصدوا على الباب أقواما إذا خرج عليهم قتلوه فلما خرج عليهم لم يره منهم أحد وقد جاء في حديث انه ذر على رأس كل واحد منهم ترابا ثم خلص الى بيت ابي بكر رضي الله عنه فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلا وقد استأجرا عبدالله بن أريقط وكان هاديا خريتا ماهرا بالدلالة إلى أرض المدينة وأمناه على ذلك مع انه كان على دين قومه وسلما اليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث فلما حصلا في الغار أعمى الله على قريش خبرهما فلم يدروا اين ذهبا وكان عامر بن فهيرة يريح عليهما غنما لأبي بكر وكانت أسماء بنت أبي بكر تحمل لهما الزاد الى الغار وكان عبدالله بن أبي بكر يتسمع ما يقال بمكة ثم يذهب إليهما بذلك فيحترزان منه وجاء المشركون في طلبهما الى ثور وما هناك من الأماكن حتى إنهم مروا على باب الغار وحاذت أقدامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه وعمى الله عليهم باب الغار ويقال والله أعلم إن العنكبوت سدت على باب الغار وإن حمامتين عششتا على بابه وذلك تأويل قوله تعالى إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم وذلك أن أبا بكر رضي الله تعالى لشدة حرصه بكى حين مر المشركون وقال يا رسول الله لو أن أحدهم نظر موضع قدميه لرآنا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ولما كان بعد الثلاث أتى ابن أريقط بالراحلتين فركباهما وأردف أبو بكر عامر ابن فهيرة وسار الديلي أمامهما على راحلته وجعلت قريش لمن جاء بواحد من محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه مائة من الإبل فلما مروا بحي مدلج بصر بهم سراقة بن مالك بن جعشم سيد مدلج فركب جواده وسار في طلبهم فلما قرب منهم سمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه يكثر الالتفات حذرا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم لايلتفت فقال أبو بكر يا رسول الله هذا سراقة بن مالك قد رهقنا فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخت يدا فرسه في الأرض فقال رميت إن الذي أصابني بدعائكما فادعوا الله لي ولكما علي أن أرد الناس عنكما فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتابا فكتب له أبو بكر في أدم ورجع يقول للناس قد كفيتم ماههنا وقد جاء مسلما عام حجة الوداع ودفع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب الذي كتبه له فوفى له رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وعده وهو لذلك أهل ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيرة ذلك بخيمة أم معبد فقال عندها ورأت من آيات نبوته في الشاة وحلبها لبنا كثيرا في سنة مجدبة ما بهر العقول صلى الله عليه وسلم
دخوله عليه الصلاة والسلام المدينة
وقد كان بلغ الأنصار مخرجه من مكة وقصده إياهم فكانوا كل يوم يخرجون الى الحرة ينتظرونه فلما كان يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول على رأس ثلاث عشرة سنة من نبوته صلى الله عليه وسلم وافاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى وكان قد خرج الأنصار يومئذ فلما طال عليهم رجعوا الى بيوتهم وكان أول من بصر به رجل من اليهود وكان على سطح أطمه فنادى بأعلى صوته يا نبي قيلة هذا جدكم الذي تنتظرون فخرج الأنصار في سلاحهم وحيوه بتحية النبوة ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء على كلثوم بن الهدم وقيل بل على سعد بن خيثمة وجاء المسلمون يسلمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرهم لم يره بعد وكان بعضهم أو أكثرهم يظنه أبا بكر لكثرة شيبه فلما أشتد الحر قام أبو بكر بثوب يظلل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحقق الناس حيئذ رسول الله الصلاة والسلام
فصل
استقراره عليه الصلاة والسلام بالمدينة
فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء أياما وقيل أربعة عشر يوما وأسس مسجد قباء ثم ركب بأمر الله تعالى فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن رانونا ورغب إليه أهل تلك الدار أن ينزل عليهم فقال دعوها فإنها مأمورة فلم تزل ناقته سائرة به لا تمر بدار من دور الأنصار إلا رغبوا إليه في النزول عليهم فيقول دعوها فإنها مأمورة فلما جاءت موضع مسجده اليوم بركت ولم ينزل عنها صلى الله عليه وسلم حتى نهضت وسارت قليلا ثم التفتت ورجعت فبركت موضعها الأول فنزل عنها صلى الله عليه وسلم وذلك في دار بني النجار فحمل أبو أيوب رضي الله عنه رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى منزله واشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع المسجد وكان مربدا ليتيمين وبناه مسجدا فهو مسجده الآن وبني لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرا الى جانبه واما علي رضي الله عنه فأقام بمكة ريثما أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده وغير ذلك ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
ووادع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بالمدينة من اليهود وكتب بذلك كتابا وأسلم حبرهم عبدالله بن سلام رضي الله عنه وكفر عامتهم وكانوا ثلاث قبائل بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظه وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار فكانوا يتوارثون بهذا الإخاء في ابتداء الاسلام إرثا مقدما على القرابة وفرض الله سبحانه وتعالى إذ ذاك الزكاة رفقا بفقراء المهاجرين وكذا ذكر ابن حزم في هذا التاريخ وقد قال بعض الحفاظ من علماء الحديث إنه أعياه فرض الزكاة متى كان فصل
د/ايمان- عضو جديد
- عدد الرسائل : 23
العمر : 36
البلد : القاهرة
رقم العضوية : 443
تاريخ التسجيل : 17/01/2008
رد: الفصول فى اختصار سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
بارك الله فيكي دكتورة ايمان
أبو محمود- مؤسس عالم الفن
- عدد الرسائل : 1149
العمر : 56
البلد : المنيا
رقم العضوية : 5
اللقب : محمد الاهلاوى
تاريخ التسجيل : 17/04/2007
رد: الفصول فى اختصار سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
شكرا يا دكتورة ايمان
أسامة صلاح- فنان راقى جدا
- عدد الرسائل : 3595
العمر : 56
البلد : اسكندرية
اللقب : ابو سيف
تاريخ التسجيل : 11/09/2007
رد: الفصول فى اختصار سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
الجزء 4
فرض الجهاد
لما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بين أظهر الأنصار وتكفلوا بنصره ومنعه من الأسود والأحمر رمتهم العرب قاطبة عن قوس واحدة وتعرضوا لهم من كل جانب وكان الله سبحانه قد أذن للمسلمين في الجهاد في سورة الحج وهي مكية في قوله تعالى أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ثم لما صاروا في المدينة وصارت لهم شوكة وعضد كتب الله عليهم الجهاد كما قال تعالى في سورة البقرة كتب عليكم القتال وهو كره لكم عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون
فصل غزوة الأبواء
وكانت أول عزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الأبواء وكانت في صفر سنة اثنتين من الهجرة خرج بنفسه صلى الله عليه وسلم حتى بلغ ودان فوداع بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة مع سيدهم مخشي بن عمرو ثم كر راجعا الى المدينة ولم يلق حربا وكان استخلف عليها سعد بن عبادة رضي الله عنه بعث حمزة بن عبدالمطلب ثم بعث عمه حمزة رضي الله عنه في ثلاثين راكبا من المهاجرين ليس فيهم أنصاري الى سيف البحر فالتقى بأبي جهل بن هشام وركب معه زهاء ثلاثمائة فحال بينهم مجدي بن عمر والجهني لأنه كان موادعا للفريقين بعث عبيدة بن الحارث بن المطلب وبعث عبيدة بن الحارث بن المطلب في ربيع الآخر في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين ايضا الى ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة فلقوا جمعا عظيما من قريش عليهم عكرمة بن أبي جهل وقيل بل كان عليهم مكرز بن حفص فلم يكن بينهم قتال إلا أن سعد بن أبي وقاص رشق المشركين يومئذ بسهم فكان أول سهم رمي به في سبيل الله وفر يومئذ من الكفار إلى المسلمين المقداد بن عمرو الكندي وعتبة بن عزوان رضي الله عنهما فكان هذان البعثان اول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن اختلف في أيهما كان أول وقيل إنهما كانا في السنة الأولى من الهجرة وهو قول ابن جرير الطبري والله تعالى أعلم
فصل غزوة بواط
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بواط فخرج بنفسه صلى الله عليه وسلم في ربيع الآخر من السنة الثانية واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون فسار حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ثم رجع ولم يلق حربا
غزوة العشيرة
ثم كانت بعدها غزوة العشيرة ويقال بالسين المهملة ويقال العشيراء خرج بنفسه صلى الله عليه وسلم في أثناء جمادى الأولى حتى بلغها وهي مكان ببطن ينبع وأقام هناك بقية الشهر وليالي من جمادى الآخرة ثم رجع ولم يلق كيدا وكان استخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد وفي صحيح مسلم من حديث أبي إسحاق السبيعي قال قلت لزيد بن أرقم كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تسع عشرة غزوة أولها العشيرة أو العشيراء
غزوة بدر الأولى
ثم خرج بعدها بنحو من عشرة أيام الى بدر الأولى وذلك أن كرز بن جابر الفهري أغار على سرح المدينة فطلبه فبلغ واديا يقال له سفوان في ناحية بدر ففاته كرز وقد كان قد استخلف على المدينة زيد بن حارثة رضي الله عنه وبعث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في طلب كرز بن جابر فيما قيل والله أعلم وقيل بل بعثه لغير ذلك فصل بعث عبدالله بن جحش ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن جحش بن رئاب الأسدي وثمانية من المهاجرين وكتب له كتابا وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه ولايكره أحدا من أصحابه ففعل ولما فتح الكتاب وجد فيه إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف وترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم فقال سمعا وطاعة وأخبر اصحابه بذلك وبأنه لا يستكرههم فمن أحب الشهادة فلينهض ومن كره الموت فليرجع وأما هو فناهض فنهضوا كلهم فلما كان في أثناء الطريق أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه فتخلفا في طلبه وتقدم عبدالله بن جحش حتى نزل بنخلة فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة فيها عمرو بن الحضرمي وعثمان ونوفل ابنا عبدالله بن المغيرة والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة فتشاور المسلمون وقالوا نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام فإن قاتلناهم انتهكنا الشهر الحرام وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم ثم اتفقوا على ملاقاتهم فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله وأسروا عثمان والحكم وأفلت نوفل ثم قدموا بالعير والأسيرين قد عزلوا من ذلك الخمس فكانت أول غنمية في الإسلام وأول خمس في الإسلام وأول قتيل في الإسلام وأول أسير في الاسلام إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم ما فعلوه وقد كانوا رضي الله عنهم مجتهدين فيما صنعوا واشتد تعنت قريش وإنكارهم ذلك وقالوا محمد قد أحل الشهر الحرام فأنزل الله عزوجل في ذلك يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله يقول سبحانه هذا الذي وقع وإن كان خطأ لأن القتال في الشهر الحرام كبير عند الله إلا أن ما أنتم عليه أيها المشركون من الصد عن سبيل الله والكفر به وبالمسجد الحرام وأخراج محمد وأصحابه الذين هم أهل المسجد الحرام في الحقيقة أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الخمس من تلك الغنيمة وأخذ الفداء من ذينك الأسيرين فصل
فرض الجهاد
لما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بين أظهر الأنصار وتكفلوا بنصره ومنعه من الأسود والأحمر رمتهم العرب قاطبة عن قوس واحدة وتعرضوا لهم من كل جانب وكان الله سبحانه قد أذن للمسلمين في الجهاد في سورة الحج وهي مكية في قوله تعالى أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ثم لما صاروا في المدينة وصارت لهم شوكة وعضد كتب الله عليهم الجهاد كما قال تعالى في سورة البقرة كتب عليكم القتال وهو كره لكم عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون
فصل غزوة الأبواء
وكانت أول عزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الأبواء وكانت في صفر سنة اثنتين من الهجرة خرج بنفسه صلى الله عليه وسلم حتى بلغ ودان فوداع بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة مع سيدهم مخشي بن عمرو ثم كر راجعا الى المدينة ولم يلق حربا وكان استخلف عليها سعد بن عبادة رضي الله عنه بعث حمزة بن عبدالمطلب ثم بعث عمه حمزة رضي الله عنه في ثلاثين راكبا من المهاجرين ليس فيهم أنصاري الى سيف البحر فالتقى بأبي جهل بن هشام وركب معه زهاء ثلاثمائة فحال بينهم مجدي بن عمر والجهني لأنه كان موادعا للفريقين بعث عبيدة بن الحارث بن المطلب وبعث عبيدة بن الحارث بن المطلب في ربيع الآخر في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين ايضا الى ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة فلقوا جمعا عظيما من قريش عليهم عكرمة بن أبي جهل وقيل بل كان عليهم مكرز بن حفص فلم يكن بينهم قتال إلا أن سعد بن أبي وقاص رشق المشركين يومئذ بسهم فكان أول سهم رمي به في سبيل الله وفر يومئذ من الكفار إلى المسلمين المقداد بن عمرو الكندي وعتبة بن عزوان رضي الله عنهما فكان هذان البعثان اول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن اختلف في أيهما كان أول وقيل إنهما كانا في السنة الأولى من الهجرة وهو قول ابن جرير الطبري والله تعالى أعلم
فصل غزوة بواط
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بواط فخرج بنفسه صلى الله عليه وسلم في ربيع الآخر من السنة الثانية واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون فسار حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ثم رجع ولم يلق حربا
غزوة العشيرة
ثم كانت بعدها غزوة العشيرة ويقال بالسين المهملة ويقال العشيراء خرج بنفسه صلى الله عليه وسلم في أثناء جمادى الأولى حتى بلغها وهي مكان ببطن ينبع وأقام هناك بقية الشهر وليالي من جمادى الآخرة ثم رجع ولم يلق كيدا وكان استخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد وفي صحيح مسلم من حديث أبي إسحاق السبيعي قال قلت لزيد بن أرقم كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تسع عشرة غزوة أولها العشيرة أو العشيراء
غزوة بدر الأولى
ثم خرج بعدها بنحو من عشرة أيام الى بدر الأولى وذلك أن كرز بن جابر الفهري أغار على سرح المدينة فطلبه فبلغ واديا يقال له سفوان في ناحية بدر ففاته كرز وقد كان قد استخلف على المدينة زيد بن حارثة رضي الله عنه وبعث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في طلب كرز بن جابر فيما قيل والله أعلم وقيل بل بعثه لغير ذلك فصل بعث عبدالله بن جحش ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن جحش بن رئاب الأسدي وثمانية من المهاجرين وكتب له كتابا وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه ولايكره أحدا من أصحابه ففعل ولما فتح الكتاب وجد فيه إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف وترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم فقال سمعا وطاعة وأخبر اصحابه بذلك وبأنه لا يستكرههم فمن أحب الشهادة فلينهض ومن كره الموت فليرجع وأما هو فناهض فنهضوا كلهم فلما كان في أثناء الطريق أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه فتخلفا في طلبه وتقدم عبدالله بن جحش حتى نزل بنخلة فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة فيها عمرو بن الحضرمي وعثمان ونوفل ابنا عبدالله بن المغيرة والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة فتشاور المسلمون وقالوا نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام فإن قاتلناهم انتهكنا الشهر الحرام وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم ثم اتفقوا على ملاقاتهم فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله وأسروا عثمان والحكم وأفلت نوفل ثم قدموا بالعير والأسيرين قد عزلوا من ذلك الخمس فكانت أول غنمية في الإسلام وأول خمس في الإسلام وأول قتيل في الإسلام وأول أسير في الاسلام إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم ما فعلوه وقد كانوا رضي الله عنهم مجتهدين فيما صنعوا واشتد تعنت قريش وإنكارهم ذلك وقالوا محمد قد أحل الشهر الحرام فأنزل الله عزوجل في ذلك يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله يقول سبحانه هذا الذي وقع وإن كان خطأ لأن القتال في الشهر الحرام كبير عند الله إلا أن ما أنتم عليه أيها المشركون من الصد عن سبيل الله والكفر به وبالمسجد الحرام وأخراج محمد وأصحابه الذين هم أهل المسجد الحرام في الحقيقة أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الخمس من تلك الغنيمة وأخذ الفداء من ذينك الأسيرين فصل
د/ايمان- عضو جديد
- عدد الرسائل : 23
العمر : 36
البلد : القاهرة
رقم العضوية : 443
تاريخ التسجيل : 17/01/2008
رد: الفصول فى اختصار سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
الجزء 5
تحويل القبلة وفرض الصوم
وفي شعبان من هذه السنة حولت القبلة من بيت المقدس الى الكعبة وذلك على رأس ستة عشر شهرا من مقدمه المدينة وقيل سبعة عشر شهرا وهما في الصحيحين وكان أول من صلى إليهما أبو سعيد بن المعلى وصاحب له كما رواه النسائي وذلك أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس ويتلو عليهم تحويل القبلة فقلت لصاحبي تعال نصلي ركعتين فنكون أول من صلى إليهما فتوارينا وصلينا إليها ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس الظهر يومئذ وفرض صوم رمضان وفرضت لأجله زكاة الفطر قبيله بيوم
فصل غزوة بدر الكبرى
نذكر فيه ملخص وقعة بدر الثانية وهي الوقعة العظيمة التي فرق الله فيها بين الحق والباطل وأعز الإسلام ودمغ الكفر وأهله وذلك أنه لما كان في رمضان من هذه السنة الثانية بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيرا مقبلة من الشام صحبة أبي سفيان صخر بن حرب في ثلاثين أو أربعين رجلا من قريش وهي عير عظيمة تحمل أموالا جزيلة لقريش فندب صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إليها وأمر من كان ظهره حاضرا بالنهوض ولم يحتفل لها إحتفالا كثيرا إلا أنه خرج في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا لثمان خلون من رمضان واستخلف على المدينة وعلى الصلاة ابن ام مكتوم فلما كان بالروحاء رد أبا لبابة واستعمله على المدينة ولم يكن معه من الخيل سوى فرس الزبير وفرس المقداد بن الأسود الكندي ومن الإبل سبعون بعيرا يعتقب الرجلان والثلاثة فأكثر على البعير الواحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي مرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيرا وزيد بن حارثة وأبو كبشة وأنسة موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة يعتقبون جملا وأبو بكر وعمر وعبدالرحمن ابن عوف على جمل آخر وهلم جرا ودفع صلى الله عليه وسلم اللواء الى مصعب بن عمير والراية الواحدة الى علي بن أبي طالب والراية الأخرى الى رجل من الأنصار وكانت راية الأنصار بيد سعد بن معاذ وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة وسار صلى الله عليه وسلم فلما قرب من الصفراء بعث بسبس بن عمرو الجهني وهو حليف بني ساعدة وعدي بن أبي الزعباء الجهني حليف بني النجار الى بدر يتحسسان أخبار العير وأما أبو سفيان فإنه بلغه مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصده إياه فاستأجر ضمضم ابن عمرو الغفاري مستصرخا لقريش بالنفير الى عيرهم ليمنعوه من محمد وأصحابه وبلغ الصريخ أهل مكة فنهضوا مسرعين وأوعبوا في الخروج ولم يتخلف من اشرافهم أحد سوى أبي لهب فإنه عوض عنه رجلا كان له عليه دين وحشدوا ممن حولهم من قبائل العرب ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عدي فلم يخرج معهم منهم أحد وخرجوا من ديارهم كما قال الله عزوجل بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله وأقبلوا في تحامل وحنق عظيم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما يريدون من أخذ عيرهم وقد أصابوا بالامس عمرو بن الحضرمي والعير التي كانت معه فجمعهم الله على غير ميعاد لما أراد في ذلك من الحكمة كما قال تعالى ولو تواعدتم لا ختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا الآية ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج قريش استشار أصحابه فتكلم كثير من المهاجرين فأحسنوا ثم استشارهم وهو يريد بما يقول الأنصار فبادر سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله كأنك تعرض بنا فوالله يا رسول الله لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك فسر بنا يا رسول الله على بركة الله فسر صلى الله عليه وسلم بذلك وقال سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ثم رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل قريبا من بدر وركب صلى الله عليه وسلم مع رجل من أصحابه مستخبرا ثم انصرف فلما أمسى بعث عليا وسعدا والزبير الى ماء بدر يلتمسون الخبر فقدموا بعبدين لقريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي فسألهما أصحابه لمن أنتما فقالا نحن سقاة لقريش فكره ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وودوا أن لو كانا لعير أبي سفيان وأنه منهم قرييب ليفوزوا به لأنه اخف مؤونة من قتال النفير من قريش لشدة بأسهم واستعدادهم لذلك فجعلوا يضربونهما فاذا آذاهما الضرب قالا نحن لأبي سفيان فاذا سكتوا عنهما قالا نحن لقريش فلما انصرف رسول اله صلى الله عليه وسلم من صلاته قال والذي نفسي بيده إنكم لتضربونهما إذا صدقا وتتركونهما إذا كذبا ثم قال لهما أخبرني أين قريش قالا وراء هذا الكثيب قال كم القوم قالا لا علم لنا فقال كم ينحرون كل يوم فقالا يوما عشرا ويوما تسعا فقال صلى الله عليه وسلم القوم ما بين التسعمائة الى الألف وأما بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء فإنهما وردا ماء بدر فسمعا جارية تقول لصاحبتها ألا تقضيني ديني فقالت الأخرى إنما تقدم العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم وأقضيك فصدقها مجدي بن عمرو فانطلقا مقبلين لما سمعا ويعقبهما ابو سفيان فقال لمجدي بن عمرو هل أحسست أحدا من أصحاب محمد فقال لا إلا أن راكبين نزلا عند تلك الأكمة فانطلق أبوسفيان الى مكانهما وأخذ من بعر بعيرهما ففته فوجد فيه النوى فقال والله هذه علائف يثرب فعدل العير الى طريق الساحل فنجا وبعث الى قريش يعلمهم أنه قد نجا هو والعير ويأمرهم ان يرجعوا وبلغ ذلك قريشا فأبى ذلك أبو جهل وقال والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر ونقيم عليها ثلاثا ونشرب الخمر وتضرب على رؤوسنا القيان فتهابنا العرب أبدا فرجع الأخنس بن شريق بقومه بني زهرة قاطبة وقال إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وقد نجت ولم يشهد بدرا زهري إلا عما مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبدالله والد الزهري فإنهما شهداها يومئذ وقتلا كافرين فبادر رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا الى ماء بدر ونزل على أدنى ماء هناك فقال له الحباب بن المنذر بن عمرو يا رسول اله هذا المنزل الذي نزلته أمرك الله به أو منزل نزلته للحرب والمكيدة قال بل منزل نزلته للحرب والمكيدة فقال ليس هذا بمنزل فانهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من مياه القوم فننزله ونعور ما وراءنا من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه فنشرب ولا يشربون فاستحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ذلك وحال الله بين قريش وبين الماء بمطر عظيم أرسله وكان نقمة على الكفار ونعمة على المسلمين مهد لهم الأرض ولبدها وبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش يكون فيه ومشى صلى الله عليه وسلم في موضع المعركة وجعل يريهم مصارع رؤوس القوم واحدا واحدا ويقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله وهذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان قال عبدالله بن مسعود فوالذي بعثه بالحق ما أخطأ واحد منهم موضعه الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي الى جذم شجرة هناك وكانت ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان فلما أصبح وأقبلت قريش في كتائبها قال صلى الله عليه وسلم اللهم هذه قريش قد أقبلت في فخرها وخيلائها تحادك وتحاد رسولك ورام حكيم بن حزام وعتبة بن ربيعة أن يرجعا بقريش فلا يكون قتال فأبى ذلك أبو جهل وتقاول هو وعتبة وأمر أبو جهل أخا عمرو بن الحضرمي ان يطلب دم أخيه عمرو فكشف عن إسته وصرخ واعمراه فحمي القوم ونشبت الحرب وعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ثم رجع الى العريش هو وأبو بكر وحده وقام سعد بن معاذ وقوم من الأنصار على باب العريش يحمون رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة ثلاثتهم جميعا يطلبون البراز فخرج إليهم من المسلمين ثلاثة من الأنصار وهم عوف ومعوذ ابنا عفراء وعبدالله بن رواحة فقالوا لهم من أنتم فقالوا من الأنصار فقالوا أكفاء كرام وإنما نريد بني عمنا فبرز لهم علي وعبيدة بن الحارث وحمزة رضي الله عنهم فقتل علي الوليد وقتل حمزة عتبة وقيل شيبة واختلف عبيدة وقرنه بضربتين فأجهد كل منهما صاحبه فكر حمزة وعلي فتمما عليه واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله فلم يزل طمثا حتى مات بالصفراء رحمه الله تعالى ورضي عنه وفي الصحيح أن عليا رضي الله عنه كان يتأول قوله تعالى هذان خصمان اختصموا في ربهم في برازهم يوم بدر ولا شك أن هذه الآية في سورة الحج وهي مكية ووقعة بدر بعد ذلك الا أن برازهم من أول ما دخل في معنى الآية ثم حي الوطيس واشتد القتال ونزل النصر واجتهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء وابتهل ابتهالا شديدا حتى جعل رداؤه يسقط عن منكبيه وجعل ابو بكر يصلحه عليه ويقول يا رسول الله بعض مناشدتك ربك فإنه منجز لك ما وعدك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فذلك قوله تعالى إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ثم أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءه ثم رفع رأسه وهو يقول أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع وكان الشيطان قد تبدى لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم زعيم مدلج فأجارهم وزين لهم الذهاب الى ما هم فيه وذلك أنهم خشوا بني مدلج أن يخلفوهم في أهاليهم وأموالهم فذلك قوله تعالى وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون وذلك أنه رأى الملائكة حين نزلت القتال ورأى ما لا قبل له به ففر وقاتلت الملائكة كما أمرها الله وكان الرجل من المسلمين يطلب قرنه فإذا به وقد سقط أمامه ومنح الله المسلمين أكتاف المشركين فكان أول من فر منهم خالد بن الأعلم فأدرك فأسر وتبعهم المسلمون في آثارهم يقتلون ويأسرون فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين وأخذوا غنائمهم فكان من جملة من قتل من المشركين ممن سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعه بالأمس أبو جهل وهو أبو الحكم عمرو بن هشام لعنه الله قتله معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ بن عفراء وتمم عليه عبدالله بن مسعود فاحتز رأسه وأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر بذلك وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسحبوا إلى القليب ثم وقف عليهم ليلا فبكتهم وقرعهم وقال بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس وخذلتموني ونصرني الناس وأخرجتموني وآواني الناس ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرصة ثلاثا ثم ارتحل بالأسارى والمغانم وقد جعل عليها عبدالله بن كعب بن عمرو النجاري وأنزل الله في غزوة بدر سورة الأنفال فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قسم المغانم كما أمره الله تعالى وأمر بالنضر بن الحارث فضربت عنقه صبرا وذلك لكثرة فساده وأذاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرثته أخته وقيل ابنته قتيلة بقصيدة مشهورة ذكرها ابن هشام فلما بلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما زعموا لو سمعتها قبل أن أقتله لم أقتله ولما نزل عرق الظبية أمر بعقبة بن أبي معيط فضربت عنقه أيضا صبرا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه في الأسارى ماذا يصنع بهم فأشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن يقتلوا وأشار أبو بكر رضي الله عنه بالفداء وهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر فحلل لهم ذلك وعاتب الله في ذلك بعض المعاتبة في قوله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم الآيات وقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما حديثا طويلا فيه بيان هذا كله فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أربعمائة أربعمائة ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة مظفرا منصورا قد أعلى الله كلمته ومكن له وأعز نصره فأسلم حينئذ بشر كثير من أهل المدينة تقية ومن ثم دخل عبد الله بن أبي بن سلول وجماعته من المنافقين في الدين
تحويل القبلة وفرض الصوم
وفي شعبان من هذه السنة حولت القبلة من بيت المقدس الى الكعبة وذلك على رأس ستة عشر شهرا من مقدمه المدينة وقيل سبعة عشر شهرا وهما في الصحيحين وكان أول من صلى إليهما أبو سعيد بن المعلى وصاحب له كما رواه النسائي وذلك أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس ويتلو عليهم تحويل القبلة فقلت لصاحبي تعال نصلي ركعتين فنكون أول من صلى إليهما فتوارينا وصلينا إليها ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس الظهر يومئذ وفرض صوم رمضان وفرضت لأجله زكاة الفطر قبيله بيوم
فصل غزوة بدر الكبرى
نذكر فيه ملخص وقعة بدر الثانية وهي الوقعة العظيمة التي فرق الله فيها بين الحق والباطل وأعز الإسلام ودمغ الكفر وأهله وذلك أنه لما كان في رمضان من هذه السنة الثانية بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيرا مقبلة من الشام صحبة أبي سفيان صخر بن حرب في ثلاثين أو أربعين رجلا من قريش وهي عير عظيمة تحمل أموالا جزيلة لقريش فندب صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إليها وأمر من كان ظهره حاضرا بالنهوض ولم يحتفل لها إحتفالا كثيرا إلا أنه خرج في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا لثمان خلون من رمضان واستخلف على المدينة وعلى الصلاة ابن ام مكتوم فلما كان بالروحاء رد أبا لبابة واستعمله على المدينة ولم يكن معه من الخيل سوى فرس الزبير وفرس المقداد بن الأسود الكندي ومن الإبل سبعون بعيرا يعتقب الرجلان والثلاثة فأكثر على البعير الواحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي مرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيرا وزيد بن حارثة وأبو كبشة وأنسة موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة يعتقبون جملا وأبو بكر وعمر وعبدالرحمن ابن عوف على جمل آخر وهلم جرا ودفع صلى الله عليه وسلم اللواء الى مصعب بن عمير والراية الواحدة الى علي بن أبي طالب والراية الأخرى الى رجل من الأنصار وكانت راية الأنصار بيد سعد بن معاذ وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة وسار صلى الله عليه وسلم فلما قرب من الصفراء بعث بسبس بن عمرو الجهني وهو حليف بني ساعدة وعدي بن أبي الزعباء الجهني حليف بني النجار الى بدر يتحسسان أخبار العير وأما أبو سفيان فإنه بلغه مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصده إياه فاستأجر ضمضم ابن عمرو الغفاري مستصرخا لقريش بالنفير الى عيرهم ليمنعوه من محمد وأصحابه وبلغ الصريخ أهل مكة فنهضوا مسرعين وأوعبوا في الخروج ولم يتخلف من اشرافهم أحد سوى أبي لهب فإنه عوض عنه رجلا كان له عليه دين وحشدوا ممن حولهم من قبائل العرب ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عدي فلم يخرج معهم منهم أحد وخرجوا من ديارهم كما قال الله عزوجل بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله وأقبلوا في تحامل وحنق عظيم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما يريدون من أخذ عيرهم وقد أصابوا بالامس عمرو بن الحضرمي والعير التي كانت معه فجمعهم الله على غير ميعاد لما أراد في ذلك من الحكمة كما قال تعالى ولو تواعدتم لا ختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا الآية ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج قريش استشار أصحابه فتكلم كثير من المهاجرين فأحسنوا ثم استشارهم وهو يريد بما يقول الأنصار فبادر سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله كأنك تعرض بنا فوالله يا رسول الله لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك فسر بنا يا رسول الله على بركة الله فسر صلى الله عليه وسلم بذلك وقال سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ثم رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل قريبا من بدر وركب صلى الله عليه وسلم مع رجل من أصحابه مستخبرا ثم انصرف فلما أمسى بعث عليا وسعدا والزبير الى ماء بدر يلتمسون الخبر فقدموا بعبدين لقريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي فسألهما أصحابه لمن أنتما فقالا نحن سقاة لقريش فكره ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وودوا أن لو كانا لعير أبي سفيان وأنه منهم قرييب ليفوزوا به لأنه اخف مؤونة من قتال النفير من قريش لشدة بأسهم واستعدادهم لذلك فجعلوا يضربونهما فاذا آذاهما الضرب قالا نحن لأبي سفيان فاذا سكتوا عنهما قالا نحن لقريش فلما انصرف رسول اله صلى الله عليه وسلم من صلاته قال والذي نفسي بيده إنكم لتضربونهما إذا صدقا وتتركونهما إذا كذبا ثم قال لهما أخبرني أين قريش قالا وراء هذا الكثيب قال كم القوم قالا لا علم لنا فقال كم ينحرون كل يوم فقالا يوما عشرا ويوما تسعا فقال صلى الله عليه وسلم القوم ما بين التسعمائة الى الألف وأما بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء فإنهما وردا ماء بدر فسمعا جارية تقول لصاحبتها ألا تقضيني ديني فقالت الأخرى إنما تقدم العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم وأقضيك فصدقها مجدي بن عمرو فانطلقا مقبلين لما سمعا ويعقبهما ابو سفيان فقال لمجدي بن عمرو هل أحسست أحدا من أصحاب محمد فقال لا إلا أن راكبين نزلا عند تلك الأكمة فانطلق أبوسفيان الى مكانهما وأخذ من بعر بعيرهما ففته فوجد فيه النوى فقال والله هذه علائف يثرب فعدل العير الى طريق الساحل فنجا وبعث الى قريش يعلمهم أنه قد نجا هو والعير ويأمرهم ان يرجعوا وبلغ ذلك قريشا فأبى ذلك أبو جهل وقال والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر ونقيم عليها ثلاثا ونشرب الخمر وتضرب على رؤوسنا القيان فتهابنا العرب أبدا فرجع الأخنس بن شريق بقومه بني زهرة قاطبة وقال إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وقد نجت ولم يشهد بدرا زهري إلا عما مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبدالله والد الزهري فإنهما شهداها يومئذ وقتلا كافرين فبادر رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا الى ماء بدر ونزل على أدنى ماء هناك فقال له الحباب بن المنذر بن عمرو يا رسول اله هذا المنزل الذي نزلته أمرك الله به أو منزل نزلته للحرب والمكيدة قال بل منزل نزلته للحرب والمكيدة فقال ليس هذا بمنزل فانهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من مياه القوم فننزله ونعور ما وراءنا من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه فنشرب ولا يشربون فاستحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ذلك وحال الله بين قريش وبين الماء بمطر عظيم أرسله وكان نقمة على الكفار ونعمة على المسلمين مهد لهم الأرض ولبدها وبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش يكون فيه ومشى صلى الله عليه وسلم في موضع المعركة وجعل يريهم مصارع رؤوس القوم واحدا واحدا ويقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله وهذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان قال عبدالله بن مسعود فوالذي بعثه بالحق ما أخطأ واحد منهم موضعه الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي الى جذم شجرة هناك وكانت ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان فلما أصبح وأقبلت قريش في كتائبها قال صلى الله عليه وسلم اللهم هذه قريش قد أقبلت في فخرها وخيلائها تحادك وتحاد رسولك ورام حكيم بن حزام وعتبة بن ربيعة أن يرجعا بقريش فلا يكون قتال فأبى ذلك أبو جهل وتقاول هو وعتبة وأمر أبو جهل أخا عمرو بن الحضرمي ان يطلب دم أخيه عمرو فكشف عن إسته وصرخ واعمراه فحمي القوم ونشبت الحرب وعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ثم رجع الى العريش هو وأبو بكر وحده وقام سعد بن معاذ وقوم من الأنصار على باب العريش يحمون رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة ثلاثتهم جميعا يطلبون البراز فخرج إليهم من المسلمين ثلاثة من الأنصار وهم عوف ومعوذ ابنا عفراء وعبدالله بن رواحة فقالوا لهم من أنتم فقالوا من الأنصار فقالوا أكفاء كرام وإنما نريد بني عمنا فبرز لهم علي وعبيدة بن الحارث وحمزة رضي الله عنهم فقتل علي الوليد وقتل حمزة عتبة وقيل شيبة واختلف عبيدة وقرنه بضربتين فأجهد كل منهما صاحبه فكر حمزة وعلي فتمما عليه واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله فلم يزل طمثا حتى مات بالصفراء رحمه الله تعالى ورضي عنه وفي الصحيح أن عليا رضي الله عنه كان يتأول قوله تعالى هذان خصمان اختصموا في ربهم في برازهم يوم بدر ولا شك أن هذه الآية في سورة الحج وهي مكية ووقعة بدر بعد ذلك الا أن برازهم من أول ما دخل في معنى الآية ثم حي الوطيس واشتد القتال ونزل النصر واجتهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء وابتهل ابتهالا شديدا حتى جعل رداؤه يسقط عن منكبيه وجعل ابو بكر يصلحه عليه ويقول يا رسول الله بعض مناشدتك ربك فإنه منجز لك ما وعدك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فذلك قوله تعالى إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ثم أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءه ثم رفع رأسه وهو يقول أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع وكان الشيطان قد تبدى لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم زعيم مدلج فأجارهم وزين لهم الذهاب الى ما هم فيه وذلك أنهم خشوا بني مدلج أن يخلفوهم في أهاليهم وأموالهم فذلك قوله تعالى وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون وذلك أنه رأى الملائكة حين نزلت القتال ورأى ما لا قبل له به ففر وقاتلت الملائكة كما أمرها الله وكان الرجل من المسلمين يطلب قرنه فإذا به وقد سقط أمامه ومنح الله المسلمين أكتاف المشركين فكان أول من فر منهم خالد بن الأعلم فأدرك فأسر وتبعهم المسلمون في آثارهم يقتلون ويأسرون فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين وأخذوا غنائمهم فكان من جملة من قتل من المشركين ممن سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعه بالأمس أبو جهل وهو أبو الحكم عمرو بن هشام لعنه الله قتله معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ بن عفراء وتمم عليه عبدالله بن مسعود فاحتز رأسه وأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر بذلك وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسحبوا إلى القليب ثم وقف عليهم ليلا فبكتهم وقرعهم وقال بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس وخذلتموني ونصرني الناس وأخرجتموني وآواني الناس ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرصة ثلاثا ثم ارتحل بالأسارى والمغانم وقد جعل عليها عبدالله بن كعب بن عمرو النجاري وأنزل الله في غزوة بدر سورة الأنفال فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قسم المغانم كما أمره الله تعالى وأمر بالنضر بن الحارث فضربت عنقه صبرا وذلك لكثرة فساده وأذاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرثته أخته وقيل ابنته قتيلة بقصيدة مشهورة ذكرها ابن هشام فلما بلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما زعموا لو سمعتها قبل أن أقتله لم أقتله ولما نزل عرق الظبية أمر بعقبة بن أبي معيط فضربت عنقه أيضا صبرا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه في الأسارى ماذا يصنع بهم فأشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن يقتلوا وأشار أبو بكر رضي الله عنه بالفداء وهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر فحلل لهم ذلك وعاتب الله في ذلك بعض المعاتبة في قوله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم الآيات وقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما حديثا طويلا فيه بيان هذا كله فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أربعمائة أربعمائة ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة مظفرا منصورا قد أعلى الله كلمته ومكن له وأعز نصره فأسلم حينئذ بشر كثير من أهل المدينة تقية ومن ثم دخل عبد الله بن أبي بن سلول وجماعته من المنافقين في الدين
د/ايمان- عضو جديد
- عدد الرسائل : 23
العمر : 36
البلد : القاهرة
رقم العضوية : 443
تاريخ التسجيل : 17/01/2008
رد: الفصول فى اختصار سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
الجزء6
عدة أهل البدر
وجملة من حضر بدرا من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من المهاجرين ستة وثمانون رجلا ومن الأوس أحد وستون رجلا ومن الخزرج مائة وسبعون رجلا وإنما قل عدد رجال الأوس عن عدد الخزرج وإن كانوا أشد منهم وأصبر عند اللقاء لأن منازلهم كانت في عوالي المدينة فلما ندبوا للخروج تيسر ذلك على الخزرج لقرب منازلهم وقد اختلف أئمة المغازي والسير في أهل بدر في عدتهم وفي تسمية بعضهم اختلافا وقد ذكرهم الزهري وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحق بن يسار ومحمد بن عمر الواقدي وسعيد بن يحيى الأموي في مغازيه والبخاري وغير واحد من المتقدمين وقد سردهم كما ذكرتهم ابن حزم في كتاب السيرة له وزعم أن ثمانية منهم لم يشهدوا بدرا بأنفسهم وإنما ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسهمهم فذكر منهم عثمان وطلحة وسعيد بن زيد ومن أجل من اعتنى بذلك من المتأخرين الشيخ الامام الحافظ ضياء الدين أبو عبدالله محمد بن عبدالواحد المقدسي رحمه الله تعالى فأفرد لهم جزءا وضمنه في أحكامه أيضا وأما المشركون فكانت عدتهم كما قال صلى الله عليه وسلم ما بين التسعمائة الى الألف وقتل من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وستة من الخزرج واثنان من الأوس وكان أول قتيل يومئذ مهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقيل رجل من الأنصار اسمه حارثة بن سراقة وقتل من المشركين سبعون وقيل أقل وأسر منهم مثل ذلك أيضا وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن بدر والأسرى في شوال
فصل غزوة بني سليم
ثم نهض بنفسه الكريمة صلى الله عليه وسلم بعد فراغه بسبعة أيام لغزو بني سليم فمكث ثلاثا ثم رجع ولم يلق حربا وقد كان استعمل على المدينة سباع بن عرفطة وقيل ابن ام مكتوم
فصل غزوة السويق
ولما رجع أبو سفيان الى مكة وأوقع الله في أصحابه ببدر وبابنه نذر أبو سفيان الأ يمس رأسه بماء حتى يغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج في مائتي راكب فنزل طرف العريض وبات ليلة واحدة في بني النضير عند سلام بن مشكم فسقاه ونطق له من خبر الناس ثم أصبح في اصحابه وأمر بقطع أصوارا من النخل وقتل رجلا من الأنصار وحليفا له ثم كرر راجعا ونذر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج في طلبه والمسلمون فبلغ قرقرة الكدر وفاته أبوسفيان والمشركون وألقوا شيئا كثيرا من أزوادهم من السويق فسميت غزوة السويق وكانت في ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة ثم رجع صلى الله عليه وسلم الى المدينة وقد كان استخلف عليها أبا لبابة
فصل غزوة ذي أمر
ثم أقام صلى الله عليه وسلم بقية ذي الحجة ثم غزا نجدا يريد غطفان واستعمل على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه فأقام بنجد صفرا من السنة الثانية كله ثم رجع ولم يلق حربا
فصل غزوة بحران
ثم خرج صلى الله عليه وسلم في ربيع الآخر يريد قريشا واستخلف ابن ام مكتوم فبلغ بحران معدنا في الحجاز ثم رجع ولم يلق حربا فصل غزوة بني قينقاع ونقض بنو قينقاع أحد طوائف اليهود بالمدينة العهد وكانوا تجارا وصاغة وكانوا نحو السبعمائة مقاتل فخرج النبي صلى الله عليه وسلم لحصارهم واستخلف على المدينة بشير بن عبد المنذر فحاصرهم صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة ونزلوا على حكمه صلى الله عليه وسلم فشفع فيهم عبدالله بن أبي بن سلول لأنهم كانوا حلفاء الخزرج وهو سيد الخزرج فشفعه فيهم بعد ما ألح على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا في طرف المدينة فصل قتل كعب بن الأشرف وأما كعب بن الأشرف اليهودي فانه كان رجلا من طيء وكانت امه من بني النضير وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ويشبب في اشعاره بنساء المؤمنين وذهب بعد وقعة بدر الى مكة وألب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين الى قتله فقال من لي بكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله فانتدب رجال من الأنصار ثم من الأوس وهم محمد بن مسلمة وعباد بن بشر بن وقش وأبو نائلة واسمه سلكان بن سلامة بن وقش وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة والحارث بن أوس بن معاذ وأبو عبس بن جبر وأذن لهم صلى الله عليه وسلم أن يقولوا ما شاؤوا من كلام يخدعونه به وليس عليهم فيه جناح فذهبوا اليه واستنزلوه من أطمه ليلا وتقدموا إليه بكلام موهم التعريض برسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمأن اليهم فلما استمكنوا منه قتلوه لعنه الله وجاؤوا في آخر الليل وكانت ليلة مقمرة فانتهوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي فلما انصرف دعا لهم وكان الحارث بن أوس قد جرح ببعض سيوف أصحابه فتفل عليه الصلاة والسلام على جرحه فبرأ من وقته ثم أصبح اليهود يتكلمون في قتله فأذن صلى الله عليه وسلم في قتل اليهود
فصل غزوة أحد
مشتمل على غزوة أحد مختصرة وهي وقعة امتحن الله عز وجل فيها عباده المؤمنين واختبرهم وميز فيها بين المؤمنين والمنافقين وذلك أن قريشا حين قتل الله سراتهم ببدر وأصيبوا بمصيبة لم تكن لهم في حساب ورأس فيهم أبو سفيان بن حرب لعدم وجود أكابرهم وجاء كما ذكرنا الى أطراف المدينة في غزوة السويق ولم ينل ما في نفسه شرع يجمع قريشا ويؤلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين فجمع قريبا من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش وجاؤوا بنسائهم لئلا يفروا ثم أقبل بهم نحو المدينة فنزل قريبا من جبل احد بمكان يقال له عينين وذلك في شوال من السنة الثالثة واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالخروج اليهم أم يمكث في المدينة فبادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر الى الاشارة بالخروج اليهم وألحو عليه صلى الله عليه وسلم في ذلك وأشار عبدالله بن أبي سلول بالمقام بالمدينة وتابعه على ذلك بعض الصحابة فألح أولئلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهض ودخل بيته ولبس لأمته وخرج عليهم وقد أنثنى عزم أولئك فقالوا يا رسول الله إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل فقال ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل وأتي عليه الصلاة والسلام برجل من بني النجار فصلى عليه وذلك يوم الجمعة واستخلف على المدينة ابن ام مكتوم وخرج الى أحد في ألف فلما كان ببعض الطريق انخزل عبدالله بن أبي في نحو ثلاثمائة الى المدينة فاتبعهم عبدالله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله عنهما يوبخهم ويحضهم على الرجوع فقالوا لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع فلما أبوا عليه رجع عنهم وسبهم واستقل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن بقي معه حتى نزل شعب أحد في عدوة الوادي الى الجبل فجعل ظهره الى أحد ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم فلما أصبح تعبأ عليه الصلاة والسلام للقتال في أصحابه وكان فيهم خمسون فارسا واستعمل على الرماة وكانوا خمسين عبدالله بن جبير الاوسي وأمره وأصحابه أن لا يتغيروا من مكانهم وأن يحفظوا ظهور المسلمين أن يؤتوا من خلفهم وظاهر صلى الله عليه وسلم بين درعين وأعطى اللواء مصعب بن عمير أخا بني عبدالدار وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام وعلى المجنبة الأخرى المنذر بن عمرو المعنق ليموت واستعرض الشباب يومئذ فأجاز بعضهم ورد آخرين فكان ممن أجاز سمرة ابن جندب ورافع بن خديج ولهما خمس عشرة سنة وكان ممن رد يومئذ أسامة بن زيد بن حارثة وأسيد بن ظهير والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت وعبدالله بن عمر وعرابة بن أوس وعمرو بن حزام ثم أجازهم يوم الخندق وتعبأت قريش أيضا وهم في ثلاثة آلاف كما ذكرنا فيهم مائتا فارس فجعلوا على ميمنتهم خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن عمرو وكان أول من بدر من المشركين أبو عامر الفاسق واسمه عبد عمرو بن صيفي وكان يسمى الراهب فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق وكان رأس الأوس في الجاهلية وكان مترهبا فلما جاء الاسلام خذل فلم يدخل فيه وجاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة فدعا عليه صلى الله عليه وسلم فخرج من المدينة وذهب الى قريش يؤلبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الحنق ووعد المشركين أنه يستميل لهم قومه من الأوس يوم اللقاء حتى يرجعوا إليه فلما أقبل في عبدان أهل مكة والأحابيش تعرف الى قومه فقالوا له لا أنعم الله لك عينا يا فاسق فقال لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتل المسلمين قتالا شديدا وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أمت امت وابلى يومئذ أبو دجانة سماك بن خرشة وحمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا علي بن أبي طالب وجماعة من الأنصار منهم النضر بن أنس وسعد بن الربيع رضي الله عنهم أجمعين وكانت الدولة أول النهار للمسلمين على الكفار فانهزموا راجعين حتى وصلوا الى نسائهم فلما رأى ذلك أصحاب عبدالله بن جبير قالوا يا قوم الغنيمة فذكرهم عبدالله بن جبير تقديم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليه في ذلك فظنوا أن ليس للمشركين رجعة وأنهم لا تقوم لهم قائمة بعد ذلك فذهبوا في طلب الغنيمة وكر الفرسان من المشركين فوجدوا تلك الفرجة قد خلت من الرماة فجازوها وتمكنوا وأقبل آخرهم فكان ما أراد الله تعالى كونه فاستشهد من أكرمهم الله بالشهادة من المؤمنين فقتل جماعة من أفاضل الصحابة وتولى أكثرهم وخلص المشركون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرح في وجهه الكريم وكسرت رباعيته اليمنى السفلى بحجر وهمشت البيضة على رأسه المقدس ورشقه المشركون بالحجارة حتى وقع لشقه وسقط في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق حفرها يكيد بها المسلمين فأخذ علي بيده واحتضنه طلحة بن عبيد الله وكان الذي تولى أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن قمئة وعتبة بن أبي وقاص وقيل إن عبدالله بن شهاب الزهري أبا جد محمد بن مسلم بن شهاب هو الذي شجه صلى الله عليه وسلم وقتل مصعب بن عمير رضي عنه بين يديه فدفع صلى الله عليه وسلم اللواء الى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ونشبت حلقتان من حلق المغفر في وجهه صلى الله عليه وسلم فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وعض عليهما حتى سقطت ثنيتاه فكان الهتم يزينه وامتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من جرحه صلى الله عليه وسلم وأدرك المشركون النبي صلى الله عليه وسلم فحال دونه نفر من المسلمين نحو من عشرة فقتلوا ثم جالدهم طلحة حتى أجهضهم عنه صلى الله عليه وسلم وترس ابودجانة سماك بن خرشة عليه صلى الله عليه وسلم بظهره والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك رضي الله عنه ورمى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يومئذ رميا منكئا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ارم فداك أبي وأمي وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان الظفري فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها عليه الصلاة والسلام بيده الكريمة فكانت اصح عينيه وأحسنهما وصرخ الشيطان لعنه الله بأعلى صوته إن محمدا قد قتل ووقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين وتولى أكثرهم وكان أمر الله ومر أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم ما تنتظرون فقالوا قتل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال ما تصنعون في الحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم استقبل الناس ولقي سعد بن معاذ فقال يا سعد والله إني لاجد ريح الجنة من قبل أحد فقاتل حتى قتل رضي الله عنه ووجدت به سبعون ضربة وجرح يومئذ عبدالرحمن بن عوف نحوا من عشرين جراحة بعضها في رجله فعرج منها حتى مات رضي الله عنه وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو المسلمين فكان اول من عرفه تحت المغفر كعب بن مالك رضي الله عنه فصاح بأعلى صوته يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه صلى الله عليه وسلم أن أسكت واجتمع إليه المسلمون ونهضوا معه الى الشعب الذي نزل فيه فيهم أبو بكر وعمر وعلي والحارث بن الصمة الأنصاري وغيرهم فلما اسندوا في الجبل أدركه أبي بن خلف على جواد يقال له العود ثم زعم الخبيث أنه يقتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما اقترب تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة فطعنه بها فجاءت في ترقوته ويكر عدو الله منهزما فقال له المشركون والله ما بك من بأس فقال والله لو كان ما بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون إنه قال إنه قاتلي ولم يزل به ذلك حتى مات بسرف مرجعه الى مكة لعنه الله وجاء علي رضي الله عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء يغسل عنه الدم فوجده آجنا فرده وأراد صلى الله عليه وسلم أن يعلو صخرة هناك فلم يستطيع لما به صلى الله عليه وسلم ولأنه ظاهر يومئذ بين درعين فجلس طلحة تحت حتى صعد وحانت الصلاة فصلى جالسا ثم مال المشركون الى رحالهم ثم استقبلوا طريق مكة منصرفين اليها وكان هذا كله يوم السبت واستشهد يومئذ من المسلمين نحو السبعين منهم حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله وحشي مولى بني نوفل وأعتق لذلك وقد أسلم بعد ذلك وكان أحد قتلة مسيلمة الكذاب لعنه الله وعبدالله بن جحش حليف بني أمية ومصعب بن عمير وعثمان بن عثمان وهو شماس بن عثمان المخزومي سمي بشماس لحسن وجهه فهؤلاء أربعة من المهاجرين والباقون من الأنصار رضي الله عنهم جميعهم فدفنهم في دمائهم وكلومهم ولم يصل عليهم يومئذ وفر يومئذ من المسلمين جماعة من الأعيان منهم عثمان بن عفان رضي الله عنه وقد نص الله سبحانه على العفو عنهم فقال عز وجل إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم وقتل يومئذ من المشركين اثنان وعشرون وقد ذكر سبحانه هذه الوقعة في سورة آل عمران حيث يقول وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم الآيات
عدة أهل البدر
وجملة من حضر بدرا من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من المهاجرين ستة وثمانون رجلا ومن الأوس أحد وستون رجلا ومن الخزرج مائة وسبعون رجلا وإنما قل عدد رجال الأوس عن عدد الخزرج وإن كانوا أشد منهم وأصبر عند اللقاء لأن منازلهم كانت في عوالي المدينة فلما ندبوا للخروج تيسر ذلك على الخزرج لقرب منازلهم وقد اختلف أئمة المغازي والسير في أهل بدر في عدتهم وفي تسمية بعضهم اختلافا وقد ذكرهم الزهري وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحق بن يسار ومحمد بن عمر الواقدي وسعيد بن يحيى الأموي في مغازيه والبخاري وغير واحد من المتقدمين وقد سردهم كما ذكرتهم ابن حزم في كتاب السيرة له وزعم أن ثمانية منهم لم يشهدوا بدرا بأنفسهم وإنما ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسهمهم فذكر منهم عثمان وطلحة وسعيد بن زيد ومن أجل من اعتنى بذلك من المتأخرين الشيخ الامام الحافظ ضياء الدين أبو عبدالله محمد بن عبدالواحد المقدسي رحمه الله تعالى فأفرد لهم جزءا وضمنه في أحكامه أيضا وأما المشركون فكانت عدتهم كما قال صلى الله عليه وسلم ما بين التسعمائة الى الألف وقتل من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وستة من الخزرج واثنان من الأوس وكان أول قتيل يومئذ مهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقيل رجل من الأنصار اسمه حارثة بن سراقة وقتل من المشركين سبعون وقيل أقل وأسر منهم مثل ذلك أيضا وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن بدر والأسرى في شوال
فصل غزوة بني سليم
ثم نهض بنفسه الكريمة صلى الله عليه وسلم بعد فراغه بسبعة أيام لغزو بني سليم فمكث ثلاثا ثم رجع ولم يلق حربا وقد كان استعمل على المدينة سباع بن عرفطة وقيل ابن ام مكتوم
فصل غزوة السويق
ولما رجع أبو سفيان الى مكة وأوقع الله في أصحابه ببدر وبابنه نذر أبو سفيان الأ يمس رأسه بماء حتى يغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج في مائتي راكب فنزل طرف العريض وبات ليلة واحدة في بني النضير عند سلام بن مشكم فسقاه ونطق له من خبر الناس ثم أصبح في اصحابه وأمر بقطع أصوارا من النخل وقتل رجلا من الأنصار وحليفا له ثم كرر راجعا ونذر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج في طلبه والمسلمون فبلغ قرقرة الكدر وفاته أبوسفيان والمشركون وألقوا شيئا كثيرا من أزوادهم من السويق فسميت غزوة السويق وكانت في ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة ثم رجع صلى الله عليه وسلم الى المدينة وقد كان استخلف عليها أبا لبابة
فصل غزوة ذي أمر
ثم أقام صلى الله عليه وسلم بقية ذي الحجة ثم غزا نجدا يريد غطفان واستعمل على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه فأقام بنجد صفرا من السنة الثانية كله ثم رجع ولم يلق حربا
فصل غزوة بحران
ثم خرج صلى الله عليه وسلم في ربيع الآخر يريد قريشا واستخلف ابن ام مكتوم فبلغ بحران معدنا في الحجاز ثم رجع ولم يلق حربا فصل غزوة بني قينقاع ونقض بنو قينقاع أحد طوائف اليهود بالمدينة العهد وكانوا تجارا وصاغة وكانوا نحو السبعمائة مقاتل فخرج النبي صلى الله عليه وسلم لحصارهم واستخلف على المدينة بشير بن عبد المنذر فحاصرهم صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة ونزلوا على حكمه صلى الله عليه وسلم فشفع فيهم عبدالله بن أبي بن سلول لأنهم كانوا حلفاء الخزرج وهو سيد الخزرج فشفعه فيهم بعد ما ألح على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا في طرف المدينة فصل قتل كعب بن الأشرف وأما كعب بن الأشرف اليهودي فانه كان رجلا من طيء وكانت امه من بني النضير وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ويشبب في اشعاره بنساء المؤمنين وذهب بعد وقعة بدر الى مكة وألب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين الى قتله فقال من لي بكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله فانتدب رجال من الأنصار ثم من الأوس وهم محمد بن مسلمة وعباد بن بشر بن وقش وأبو نائلة واسمه سلكان بن سلامة بن وقش وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة والحارث بن أوس بن معاذ وأبو عبس بن جبر وأذن لهم صلى الله عليه وسلم أن يقولوا ما شاؤوا من كلام يخدعونه به وليس عليهم فيه جناح فذهبوا اليه واستنزلوه من أطمه ليلا وتقدموا إليه بكلام موهم التعريض برسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمأن اليهم فلما استمكنوا منه قتلوه لعنه الله وجاؤوا في آخر الليل وكانت ليلة مقمرة فانتهوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي فلما انصرف دعا لهم وكان الحارث بن أوس قد جرح ببعض سيوف أصحابه فتفل عليه الصلاة والسلام على جرحه فبرأ من وقته ثم أصبح اليهود يتكلمون في قتله فأذن صلى الله عليه وسلم في قتل اليهود
فصل غزوة أحد
مشتمل على غزوة أحد مختصرة وهي وقعة امتحن الله عز وجل فيها عباده المؤمنين واختبرهم وميز فيها بين المؤمنين والمنافقين وذلك أن قريشا حين قتل الله سراتهم ببدر وأصيبوا بمصيبة لم تكن لهم في حساب ورأس فيهم أبو سفيان بن حرب لعدم وجود أكابرهم وجاء كما ذكرنا الى أطراف المدينة في غزوة السويق ولم ينل ما في نفسه شرع يجمع قريشا ويؤلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين فجمع قريبا من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش وجاؤوا بنسائهم لئلا يفروا ثم أقبل بهم نحو المدينة فنزل قريبا من جبل احد بمكان يقال له عينين وذلك في شوال من السنة الثالثة واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالخروج اليهم أم يمكث في المدينة فبادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر الى الاشارة بالخروج اليهم وألحو عليه صلى الله عليه وسلم في ذلك وأشار عبدالله بن أبي سلول بالمقام بالمدينة وتابعه على ذلك بعض الصحابة فألح أولئلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهض ودخل بيته ولبس لأمته وخرج عليهم وقد أنثنى عزم أولئك فقالوا يا رسول الله إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل فقال ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل وأتي عليه الصلاة والسلام برجل من بني النجار فصلى عليه وذلك يوم الجمعة واستخلف على المدينة ابن ام مكتوم وخرج الى أحد في ألف فلما كان ببعض الطريق انخزل عبدالله بن أبي في نحو ثلاثمائة الى المدينة فاتبعهم عبدالله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله عنهما يوبخهم ويحضهم على الرجوع فقالوا لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع فلما أبوا عليه رجع عنهم وسبهم واستقل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن بقي معه حتى نزل شعب أحد في عدوة الوادي الى الجبل فجعل ظهره الى أحد ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم فلما أصبح تعبأ عليه الصلاة والسلام للقتال في أصحابه وكان فيهم خمسون فارسا واستعمل على الرماة وكانوا خمسين عبدالله بن جبير الاوسي وأمره وأصحابه أن لا يتغيروا من مكانهم وأن يحفظوا ظهور المسلمين أن يؤتوا من خلفهم وظاهر صلى الله عليه وسلم بين درعين وأعطى اللواء مصعب بن عمير أخا بني عبدالدار وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام وعلى المجنبة الأخرى المنذر بن عمرو المعنق ليموت واستعرض الشباب يومئذ فأجاز بعضهم ورد آخرين فكان ممن أجاز سمرة ابن جندب ورافع بن خديج ولهما خمس عشرة سنة وكان ممن رد يومئذ أسامة بن زيد بن حارثة وأسيد بن ظهير والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت وعبدالله بن عمر وعرابة بن أوس وعمرو بن حزام ثم أجازهم يوم الخندق وتعبأت قريش أيضا وهم في ثلاثة آلاف كما ذكرنا فيهم مائتا فارس فجعلوا على ميمنتهم خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن عمرو وكان أول من بدر من المشركين أبو عامر الفاسق واسمه عبد عمرو بن صيفي وكان يسمى الراهب فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق وكان رأس الأوس في الجاهلية وكان مترهبا فلما جاء الاسلام خذل فلم يدخل فيه وجاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة فدعا عليه صلى الله عليه وسلم فخرج من المدينة وذهب الى قريش يؤلبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الحنق ووعد المشركين أنه يستميل لهم قومه من الأوس يوم اللقاء حتى يرجعوا إليه فلما أقبل في عبدان أهل مكة والأحابيش تعرف الى قومه فقالوا له لا أنعم الله لك عينا يا فاسق فقال لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتل المسلمين قتالا شديدا وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أمت امت وابلى يومئذ أبو دجانة سماك بن خرشة وحمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا علي بن أبي طالب وجماعة من الأنصار منهم النضر بن أنس وسعد بن الربيع رضي الله عنهم أجمعين وكانت الدولة أول النهار للمسلمين على الكفار فانهزموا راجعين حتى وصلوا الى نسائهم فلما رأى ذلك أصحاب عبدالله بن جبير قالوا يا قوم الغنيمة فذكرهم عبدالله بن جبير تقديم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليه في ذلك فظنوا أن ليس للمشركين رجعة وأنهم لا تقوم لهم قائمة بعد ذلك فذهبوا في طلب الغنيمة وكر الفرسان من المشركين فوجدوا تلك الفرجة قد خلت من الرماة فجازوها وتمكنوا وأقبل آخرهم فكان ما أراد الله تعالى كونه فاستشهد من أكرمهم الله بالشهادة من المؤمنين فقتل جماعة من أفاضل الصحابة وتولى أكثرهم وخلص المشركون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرح في وجهه الكريم وكسرت رباعيته اليمنى السفلى بحجر وهمشت البيضة على رأسه المقدس ورشقه المشركون بالحجارة حتى وقع لشقه وسقط في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق حفرها يكيد بها المسلمين فأخذ علي بيده واحتضنه طلحة بن عبيد الله وكان الذي تولى أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن قمئة وعتبة بن أبي وقاص وقيل إن عبدالله بن شهاب الزهري أبا جد محمد بن مسلم بن شهاب هو الذي شجه صلى الله عليه وسلم وقتل مصعب بن عمير رضي عنه بين يديه فدفع صلى الله عليه وسلم اللواء الى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ونشبت حلقتان من حلق المغفر في وجهه صلى الله عليه وسلم فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وعض عليهما حتى سقطت ثنيتاه فكان الهتم يزينه وامتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من جرحه صلى الله عليه وسلم وأدرك المشركون النبي صلى الله عليه وسلم فحال دونه نفر من المسلمين نحو من عشرة فقتلوا ثم جالدهم طلحة حتى أجهضهم عنه صلى الله عليه وسلم وترس ابودجانة سماك بن خرشة عليه صلى الله عليه وسلم بظهره والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك رضي الله عنه ورمى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يومئذ رميا منكئا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ارم فداك أبي وأمي وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان الظفري فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها عليه الصلاة والسلام بيده الكريمة فكانت اصح عينيه وأحسنهما وصرخ الشيطان لعنه الله بأعلى صوته إن محمدا قد قتل ووقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين وتولى أكثرهم وكان أمر الله ومر أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم ما تنتظرون فقالوا قتل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال ما تصنعون في الحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم استقبل الناس ولقي سعد بن معاذ فقال يا سعد والله إني لاجد ريح الجنة من قبل أحد فقاتل حتى قتل رضي الله عنه ووجدت به سبعون ضربة وجرح يومئذ عبدالرحمن بن عوف نحوا من عشرين جراحة بعضها في رجله فعرج منها حتى مات رضي الله عنه وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو المسلمين فكان اول من عرفه تحت المغفر كعب بن مالك رضي الله عنه فصاح بأعلى صوته يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه صلى الله عليه وسلم أن أسكت واجتمع إليه المسلمون ونهضوا معه الى الشعب الذي نزل فيه فيهم أبو بكر وعمر وعلي والحارث بن الصمة الأنصاري وغيرهم فلما اسندوا في الجبل أدركه أبي بن خلف على جواد يقال له العود ثم زعم الخبيث أنه يقتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما اقترب تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة فطعنه بها فجاءت في ترقوته ويكر عدو الله منهزما فقال له المشركون والله ما بك من بأس فقال والله لو كان ما بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون إنه قال إنه قاتلي ولم يزل به ذلك حتى مات بسرف مرجعه الى مكة لعنه الله وجاء علي رضي الله عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء يغسل عنه الدم فوجده آجنا فرده وأراد صلى الله عليه وسلم أن يعلو صخرة هناك فلم يستطيع لما به صلى الله عليه وسلم ولأنه ظاهر يومئذ بين درعين فجلس طلحة تحت حتى صعد وحانت الصلاة فصلى جالسا ثم مال المشركون الى رحالهم ثم استقبلوا طريق مكة منصرفين اليها وكان هذا كله يوم السبت واستشهد يومئذ من المسلمين نحو السبعين منهم حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله وحشي مولى بني نوفل وأعتق لذلك وقد أسلم بعد ذلك وكان أحد قتلة مسيلمة الكذاب لعنه الله وعبدالله بن جحش حليف بني أمية ومصعب بن عمير وعثمان بن عثمان وهو شماس بن عثمان المخزومي سمي بشماس لحسن وجهه فهؤلاء أربعة من المهاجرين والباقون من الأنصار رضي الله عنهم جميعهم فدفنهم في دمائهم وكلومهم ولم يصل عليهم يومئذ وفر يومئذ من المسلمين جماعة من الأعيان منهم عثمان بن عفان رضي الله عنه وقد نص الله سبحانه على العفو عنهم فقال عز وجل إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم وقتل يومئذ من المشركين اثنان وعشرون وقد ذكر سبحانه هذه الوقعة في سورة آل عمران حيث يقول وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم الآيات
د/ايمان- عضو جديد
- عدد الرسائل : 23
العمر : 36
البلد : القاهرة
رقم العضوية : 443
تاريخ التسجيل : 17/01/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى