الفنان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كتاب" إغاثة الأمة بكشف الغمّة للمقريزي "

اذهب الى الأسفل

كتاب" إغاثة الأمة بكشف الغمّة للمقريزي " Empty كتاب" إغاثة الأمة بكشف الغمّة للمقريزي "

مُساهمة من طرف نور الاسلام السبت فبراير 16, 2008 10:20 am

قراءة سيميائية([1]) فـي كتاب إغاثة الأمة بكشف الغمّة للمقريزي ـــ رشيد بن مالك(*)
موجز السيرة الذاتية
لمؤلف كتاب إغاثة الأمة يكشف القمة:
هو

تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد المحيوي الحسيني، العبيدي، البعلي الأصل، المصري المولد، والمشهور بابن المقريزي.



ولد في سنة (769هـ/ 1367م)- وتوفي بالقاهرة سنة (845هـ/ 1441م).

مؤرخ ومحدّث، نشأ وتفقّه على مذهب أبي حنيفة النعمان. ولي حسبة القاهرة، ونظم وألف كتباً كثيرة، زاد عددها على مئتي مجلد، أشهر مؤلفاته:

- السلوك في معرفة دول الملوك (عدة مجلدات).

- إمتاع الأسماع فيما للنبي r من الحفدة والمتاع (ستة مجلدات).

- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار.

-درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة.



عاش المقريزي جانباً من حياته معاصراً لدولة المماليك البحرية، وعاش شطرها الآخر في عهد دولة المماليك البرجية. امتد حكم الدولة الأولى 136 عاماً [468-764]هـ، وامتد حكم الدولة الثانية 139 عاماً 784-923]هـ، حكم في الأول (25) سلطاناً، وحكم في الثانية (23) سلطاناً.



مقدمة:
كتاب إغاثة الأمة بكشف الغمة أو تاريخ المجاعات في مصر، مؤلف صغير الحجم طبع في دمشق 1956 من قبل دار الجماهير الشعبية ودار ابن الوليد. وكتب مقدمته الطويلة والمفيدة الدكتور بدر الدين السباعي بالتعاون مع الأستاذ عبد النافع طليمات. وجاء فيها ما يلي:

لم يكن المقريزي، في كتابه هذا، مجرد مؤرخ للمجاعات في مصر، بل حاول أن يدل الجماهير على الأسباب التي أدت لحصول تلك الأوضاع المفجعة، ولتضع يدها عليها واحداً بعد واحد، حتى تتلمس الطريق السوية التي تنقذها من الوقوع مجدداً في أمثال تلك المآسي القاتلة. ولو أن المقريزي أراد مرضاة السادة الأعلين، لاستطاع بكل سهولة إرجاع المجاعات إلى إرادة خارجة عن إرادة الإنسان، وإلى أسباب طبيعية لا حول للجماهير معها ولا قوة، مما يدفعها إلى الخضوع والاستسلام...

لقد قيل إن السبب الذي دفع المقريزي إلى وضع هذا الكتاب هو فقده لابنته الوحيدة في عام 806هـ، نتيجة إصابتها بالطاعون الوبيل، الذي أعقب إحدى فترات المجاعة الطويلة التي حلّت بمصر بين عامي 796-808هـ . نعم قد يكون لهذا الحادث أثره، ولكنه ليس كل شيء. فالمقريزي لم يقنع بذكر بعض الأسباب الطبيعية بل تعمق في بحثه فبين الدور الذي لعبه المماليك والأمراء والتجار والوجهاء في مصر، عندما احتكروا بيع الأرزاق، ورفعوا أسعارها وخفضوا أسعار العملة، لجني الأرباح على حساب الفقراء والمعدمين. فانتشرت الأوبئة والأمراض وكثرت الوفيات.



وهذا البحث دراسة لنص المقريزي، ولفحص مستوياته الدلالية من منظور سيميائي. من الواضح أن الاقتراب المنهجي من هذا النص يطرح عدة إشكالات، لعل أهمها هو غياب الدراسات التي تعنى بفحص الخطاب السياسي بخاصة، والخطابات في العلوم الاجتماعية بعامة، انطلاقاً من توجه سيميائي أثبت فعاليته العلمية في الدراسات الأوروبية وفي كثير من الحقول المعرفية([3]). وقد نلمس هذه الفعالية في الحلول التي صاغها الباحثون، بخصوص الآليات التي يحتكم إليها تحليل الخطاب في تجلياته اللسانية وغير اللسانية.

ويتمثل الإشكال الثاني في مشروعية تناول نص تراثي بأدوات منهجية حديثة، قد تبدو غريبة عنه. ولتفادي هذا الإشكال التزمنا بخطة منهجية واضحة تنطلق في البداية من القراءة المتأملة للنص بالاعتماد على المعاجم العربية التي ارتهن إليها خطاب المقريزي، وضبط المسارات الدلالية للوحدات المعجمية الموضوعة قيد التحليل وحاولنا في أثناء ذلك حصر المستويات الدلالية وضبط إطارين متميزين في النص. حددنا في الإطار الأول بالاعتماد على الجملة الواردة في الصفحة الثانية من الكتاب وهي: [من تأمل هذا الحادث من بدايته إلى نهايته، وعرفه من أوله إلى غايته، علم أن ما بالناس سوى سوء تدبير الزعماء والحكام أو غفلتهم عن النظر في مصالح العباد] البعد التلفظي في النص بضبط الهيئة اللافظة، ومقاصدها في الاقتراب الاقتصادي والسياسي من ظاهرة الجوع بوصفها حدثاً اقتصادياً بامتياز. ولئن كانت هذه الهيئة تتوجه في خطابها بضمير المتكلم الأنا لذكر ما جرى من مجاعات بضمير الغيبة إلى الأنت، فإنها تسعى، من جهة، إلى إقامة تواصل معه مبني على خطاب برهاني يحلل الظاهرة الاقتصادية، أبردها إلى الآليات التي تحتكم إليها السلطة في تسييرها للفعل سياسي. ومن جهة ثانية إلى تحريك متلقي الرسالة بهدف تأسيسه فاعلاً منفذاً في برنامج تكون الغاية منه التحرر من الفعل السياسي القمعي، وتحقيق قيم سياسية تعيد الصلة بين الحكام والرعية. من هذه المنطلقات ضبطنا برنامج هذه الهيئة [المقريزي الباحث] التي تفحص عن قرب العلاقة بين السلطة والرعية.

وحللنا في الإطار الثاني البرامج السردية، مع التركيز على الممثلين السياسيين الذين يتصدرهم أهل الدولة. وحاولنا في أثناء ذلك دراسة هذا الممثل الأساسي في علاقته بأغنياء التجار وأولي النعمة والترف، والفئات الأخرى التي تنتظم درجاتها في السلم الاجتماعي انتظاماً مبنياً على الملك.

1-النظام السيميائي للنص: البحث في مستويات وأشكال بنيته:
يتصدر نص إغاثة الأمة بكشف الغمة للمقريزي بنية جدلية تعمل على توضيح مصدر الخلاف في تأويل أسباب حدوث المجاعة، بخاصة والآفات السماوية بعامة، بين هيئتين متمايزتين، على نحو ما يظهر ذلك في الملفوظ الآتي:

[النص الافتتاحي ص.ج] يقول المقريزي: "وعلم من أخبار البشر، إنما يحدث من آفات سماوية في غالب الأمر: كقصور جري النيل بمصر، وعدم نزول المطر بالشام والعراق والحجاز وغيره. أو آفة تصيب الغلال من سمائم تحرقها أو رياح تهيفها، أو جراد يأكلها، وما شابه ذلك. هذه عادة الله في الخلق، إذا خالفوا أمره وأتوا محارمه، أن يصيبهم بذلك جزاء بما كسبت أيديهم. وأما هذا الأمر الذي حل بمصر فإنه بخلاف ما قدمناه."

إن الهيئة الأولى غير محددة في النص وتتماهى مع العامل الجماعي البشري الذي يملك الشرعية في تبليغ الأخبار أولاً وتأويلها ثانياً. إن الشرعية هنا تقاس بما يملكه العامل من كفاءة مقصورة على العلم في حده التراثي [الإحاطة بالكليات] والكفيل بالتمييز بين النواميس الطبيعية والآفات الأرضية.

ومن النواميس الطيبعية التي تصيب الغلال وتسبب القحط: قصور جري النيل بمصر، وعدم نزول المطر، أو سمائم تحرقها أو رياح تهيفها، أو جراد يأكلها.

وإذا نظرنا ملياً في تلك الكوارث التي تصيب المواسم الزراعية والغلال، نلاحظ ان الفاعلية على الصعيد التركيبي تنسب إلى عوامل تنتمي إلى عالمين متاميزين: عالم الطبيعة وعالم الحيوان. وكفاءة هذه العوامل تتحدد بقدرتها على التدمير، وإلحاق الضرر الذي نلمس مفعولاته من خلال مسار متضمن لمجموعة من المظاهر: الجفاف، والإحراق، والهيف، والأكل.

ومن الواضح أن الملفوظ المثبت سابقاً يقوم على ثلاثة برامج: /التأمل/ و/المعرفة/ و/العلم/. فالأول والثاني يشكلان في علاقتهما برنامجاً ملحقاً يسخر لإدراك الأسباب التي أدت إلى حدوث المجاعات [المعادل الموضوعي للحادث]. والحادث بوصفه موضوعاً للتأويل لا يمكن أن تدرك تجلياته الدلالية إلا إذا وضعناه في صلب بنية زمنية يتحدد المابعد فيها بالماقبل:


نور الاسلام
نور الاسلام
فنان ملكى
فنان ملكى

عدد الرسائل : 17277
العمر : 34
البلد : اسالوا كل الناس مين هم اجدع ناس
رقم العضوية : 3
اللقب : اصغر مدرسه
الدولة : كتاب" إغاثة الأمة بكشف الغمّة للمقريزي " Egypti10
تاريخ التسجيل : 07/07/2007

http://www.islamweb.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كتاب" إغاثة الأمة بكشف الغمّة للمقريزي " Empty رد: كتاب" إغاثة الأمة بكشف الغمّة للمقريزي "

مُساهمة من طرف نور الاسلام السبت فبراير 16, 2008 10:21 am

بداية الحادث



قبل

الأسباب المؤدية إلى المجاعة
نهاية الحادث



بعد المجاعة



امتلاك الحقيقة

التأمل والمعرفة

العلم


إن التأمل والمعرفة يوضحان الشروط الضرورية لامتلاك الموضوع الذي يتحدد عبر عملية التحري quête المتسمة بالطابع السياسي. والمرسل المحرك يسعى إلى إقناع القارئ بأن المصيبة التي نزلت على الفاعل الجماعي [أهل مصر] محصلة لسوء تسيير الحكام. وبالتالي، فإن فهم آليات تسيير السلطة مرهون سلفاً بتأسيس فاعل ممتلك لكفاءة ترتكز أساساً على التأمل والمعرفة. ويمكن أن نلاحظ في هذا المساق أن الخطاب ينزع منزعاً علمياً بما أنه يفضي إلى تحديد طبيعة العمليات التي ينتظم وفقها فهم الحادث بوصفه ظاهرة اجتماعية. يخضع هذا الخطاب لعمليات ثلاثة: أ) فهو يقدم الحادث كمشروع تفكير يرتهن في وجوه إلى التأني والتثبت في الفكر والمشاورة. إن التأمل بوصفه المرحلة التأسيسية للممارسة الفكرية يشمل لحظتين أساسيتين: بداية الحادث ونهايته يعني النظر في الأسباب التي أفضت إلى حدوث الحادث في السياق التطوري وعلى امتداد زمني خاضع لمبدأ السببية. بعبارة أخرى، إن الحادث محصلة لحلقات تمتد من بداية الحادث إلى نهايته. ويتم من خلال هذه العملية إعادة بناء العناصر الملاحظة عبر مشاهدة الأفعال التي أسهمت بشكل أو بآخر في إفراز وضع خطير يؤدي في جميع الحالات إلى الموت. انطلاقاً من المعطيات النصية، نلاحظ أن المعرفة هي في الواقع قراءة ثانية خاضعة للمنطق المعكوس([4]) logique à rebours تتم عبرها عملية البناء. تبدأ من التأمل في نهاية الحادث، والارتقاء إلى مستوى أرقى منه من الناحية المنطقية والتدرجية إلى أوله. فهو يحدد من جهة موضوع التفكير، ويحدد من ناحية ثانية التأمل. إذا استندنا إلى لسان العرب نلاحظ، أن المعرفة لا تدرك من المنظور السيميائي في القدرة على برمجة العمليات الضرورية لتحقيق الأداء، وإنما ينبغي أن ننظر إلى المعرفة هنا استناداً إلى المرجعية التراثية، التي تضبط حدودها الدلالية المتمثلة أساساً في إدراك جزئي، يفضي بالضرورة إلى الإحاطة بالكليات إحاطة تمثل أرقى ما يصل إليه العلم.

استناداً إلى هذا التحليل الأولي، يمكن أن نحدد خاصيتين لهذا الخطاب مناسبتين للحظتين من التنظيم السردي: تتمثل الخاصية الأولى، في السياق الذي يتم فيه امتلاك الموضوع عن طريق التأمل أولاً والمعرفة ثانياً [الكفاءة]. أما الخاصية الثانية، فإنها تتحدد عبر مسار يقود إلى الإدراك الكلي للحادث، الذي تقف وراءه أسباب لا ينأى تأويلها عن الإطارين السياسي والاقتصادي. ويمكن لنا أن نحدد هذا التنظيم انطلاقاً من منظورين، المنظور الأول يتقدم بوصفه حداً لبرنامج امتلاك المعرفة السياسية، ويهدف إلى التحري عن موضوع معارفي objet cognitif بوصفه موضوع جهة، يؤهله امتلاكه للتأويل السياسي والاقتصادي للوضع الاجتماعي المضطرب. وبالتالي، يسعى المرسل إلى نقل كفاءته إلى المرسل إليه: المتأمل. وحتى يحقق أداء التأويل، فهو ملزم بقراءة الوضع في ضوء معطياته الاقتصادية والسياسية المنصهرة في الموضوع المعارفي. إن امتلاك الموضوع المعارفي هنا، ونعني به الإحاطة العلمية بالأسباب التي تقف وراء المجاعات، مربوط بمقدرة القارئ على فهم الآليات التي تحكم تسيير الفعل السياسي le faire politique والفعل الاقتصادي. وحتى نفهم هذه الآليات ونضبط العلاقات الموجودة بين الفعلين، نعرض بالدرس والتحليل للملفوظات الآتية:

"السبب الأول، وهو أصل هذا الفساد، ولاية الخطط السلطانية والمناصب الدينية بالرشوة، كالوزارة والقضاء ونيابة الأقاليم وولاية الحسبة وسائر الأعمال، بحيث لا يمكن التوصل إلى شيء منها إلا بالمال الجزيل. عندها يحظى الجاهل والمفسد والظالم والباغي بما لم يكن يؤمّله من الأعمال الجليلة والولايات العظيمة، التي توصله بأحد حواشي السلطان، ووعده بمال للسلطان على ما يريده من الأعمال" [المقريزي، ص 41].

2) بنية التبادل في النص والجهات المؤسسة للفعل:
يمكن أن نلاحظ، من منظور سردي، أن هذا النص يرتكز أساساً على بنية التبادل التي تعبر عن شكل من أشكال نقل مواضيع قيمة، فهو أداء مضاعف ناجم عن عقد([5])، تم بين عاملين. تضبط العامل الأول مجموعة من الصور: جاهل ومفسد وظالم وباغ.

إن البنية النصية في هذا المقام تتحدد عبر بنية التبادل التي تحتكم إلى هبتين مختلفتين. نبني هذا التأويل على بداية النص التي يقر المقريزي فيها بوضوح بأن المناصب الإدارية والسياسية تشكل موضوع قيمة، وهي على هذا الأساس تشكل [هبة] سلعة نفيسة للتبادل يتحقق عبر برنامجين: نلمس البرنامج الأول من خلال عامل يتحدد بأدوار موضوعاتية: جاهل ومفسد وظالم وباغ.

يتحدد هذا العامل عبر رغبته في الاستفادة من موضوع قيمة ذي طبيعة خاصة مراكز النفوذ والسلطة. إن هذا العامل، انطلاقاً من الأدوار التي ينضوي تحتها يفتقر إلى الكفاءة في التسيير. وتخضع هذه الأدوار كما حددها المقريزي لتدرّج ينطلق من الجهل مروراً بالإفساد والظلم والبغي، لتفرز بذلك قيماً دلالية تتعارض مع العلم والإصلاح والعدالة. أما البرنامج الثاني، فيتحدد عبر السلطان وحواشيه [وأهل الدولة في مواضع أخرى من النص] في رغبة السلطان وحواشيه في جمع أكبر قدر من المال، على أن يكون صاحب المراكز بطبيعة الحال مالكاً أولاً وسخياً ثانياً، ويعد السخاء مقياساً أساسياً في الوصول إلى هذه المراكز. ولئن كان السلطان بحاجة دائمة إلى المال من أقرب الطرق وأيسرها، فإن خير وسيلة لتحقيق ذلك تلزيم المناصب الإدارية الكبرى لمن يقدر على الدفع بغض النظر عن الجدارة والأهلية. تأسيساً على هذا، فإن السلطان يحتل موقع المحرّك، بالفعل الذي يمارسه على حاشيته. وذلك في سبيل تفعيلهم من أجل إبرام صفقات خاصة ببيع المراكز الحكومية التي تشكل موضع قيمة أساسي في النص. إن الطريقة التي تسخرها الحاشية لبيع هذا الموضوع ترتهن في وجودها، من المنظور الاقتصادي، إلى العرض والطلب. إنها تعمل على تقليص العرض حتى يتزايد الطلب، ويشتد التنافس عليها ويرتفع السعر. ويعد الوصول إلى هذه الحاشية أمراً في غاية التعقيد، ويتطلب برنامجاً خاصاً ينضوي تحته عامل يسخر كل قواه في سبيل الاتصال بحواشي السلطان. في هذه اللحظة من السرد، يتحول العامل إلى مرسل محرّك يقوم بتفعيل الحاشية لتحقيق بغيته. فهو يدفع لها المال، وفي مقابل حصوله على الأعمال الجليلة والولايات العظيمة يؤسس الحاشية فاعلاً منفذاً في برنامج الوساطة بينه وبين السلطان. ويمكن أن ندقق في هذه العلاقة إذا فحصنا عن قرب الحد المفهومي للرشوة: فهي تكمن في الوسائل المسخرة الكفيلة بتحريك شخص ما في اتجاه مضاد للواجب والوعي. إن السلطان من موقع قوته، ورغبة منه في ت نمية ثروته، لا يعبئ الفعل السياسي للنظر في شؤون الرعية. إن مسألة التعبئة والتدبير غير واردة لأن فعل السلطان يفتقد إلى الطابع الإلزامي، وبالتالي فإن وجوب التدبير مسألة غير واردة على الإطلاق. ولئن كان الفاعل السياسي متحرراً من القيود [الوعي بواجب السلطان وحق الرعية في الوجود والحياة]. فإن الأجهزة المنحدرة من صلب النظام تكرس وضعاً يفرز قيماً تعمل على نفي وجوب الفعل [النظر في مصالح العباد] وتثبيت وجوب اللافعل [سوء التدبير].

نور الاسلام
نور الاسلام
فنان ملكى
فنان ملكى

عدد الرسائل : 17277
العمر : 34
البلد : اسالوا كل الناس مين هم اجدع ناس
رقم العضوية : 3
اللقب : اصغر مدرسه
الدولة : كتاب" إغاثة الأمة بكشف الغمّة للمقريزي " Egypti10
تاريخ التسجيل : 07/07/2007

http://www.islamweb.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كتاب" إغاثة الأمة بكشف الغمّة للمقريزي " Empty رد: كتاب" إغاثة الأمة بكشف الغمّة للمقريزي "

مُساهمة من طرف نور الاسلام السبت فبراير 16, 2008 10:24 am

وجوب الفعل وجوب اللا فعل



لا وجوب الفعل

إذا كان التدبير يلقى مصدره في سياسة الأمر والنظر في عاقبته وحسن القيام به في تسيير شؤون الرعية، فإن وجوب اللاتدبير في شؤون الرعية يعكس رغبة السلطان في تسيير شؤون الدولة على حسب هواه. تأسيساً على هذا، فإن الافتقاد إلى الكفاءة السياسية، يؤدي في جميع الحالات إلى الفشل في تحقيق الأداء السياسي. هكذا، فإنه يتحول إلى فاعل سياسي متحرر من القيود القانونية ومفتقد إلى الجدارة التي تمكنه من تسيير أمور الدولة التي يفرضها المقام السياسي. يجسد مشروعه رغبته في استرجاع ما وهبه للسلطان من جهة وتنمية ثروته من جهة أخرى. في هذا المساق ندرك البعد التداولي للفعل السياسي. إن الفاعل المنفذ لا يتحرك إلا بموجب العقد الذي يربطه بالحاشية. وتكون الأعمال مسخرة للحصول على موضوع قيمة يتحول في النهاية إلى موضوع جهة يكون مصدراً للقوة والنفوذ والثراء.

إن أصحاب الولايات العظيمة، رغبة منهم في استرجاع ما وهبوه للسلطان من مال، يستغلون مراكزهم ويشرعون في تطبيق برنامج سياسي يهدف إلى فرض ضرائب جديدة ومصادرة أموال أهل الريف. ولئن كان السلطان لا يعارض رغبتهم في الاغتناء، فإن حاشيته تعمل على تكميم الأفواه، وإفشال كل مسعى يتضمن احتجاجاً على الوضع. وعليه، فإن سوء التدبير يحرك العامل الجماعي /الناس/ إلى الهجرة من الريف، والتي تؤدي بدورها إلى تقلص المساحات المزروعة، وانخفاض المنتجات الزراعية، وارتفاع سعر الموجود منها. وتكون الضائقة الاقتصادية المؤدية إلى المجاعات محصلة لفعل سياسي/ اقتصادي صادر عن دوائر سياسية لا تملك من الكفاءة ما يؤهلها لتسيير شؤون الرعية.

إذا نظرنا إلى التقسيم الذي وضعه المقريزي([6])، نلاحظ أن التوزيع يخضع لطبيعة الممتلكات.

ويمكن أن نقترح توزيعاً آخر مبنياً أساساً على: الملك/ المعرفة/ السلطة. استناداً إلى هذه القاعدة، نحصل على الجدول الآتي:

الممثلون

المتتاليات
الملك
المعرفة
السلطة

أهل الدولة ومياسير التجار وأولو النعمة والترف والمتصرفون بالأراضي الواسعة
+
-
+

متوسطو الحال من التجار
+
-
-

الفقهاء وطلاب العلم وصغار الموظفين
-
+
-

أصحاب الصنائع وأرباب المهن والأجراء والحمالون والخدم وأهل الخصاصة والمسكنة
-
-
-


استناداً إلى الجدول المذكور أعلاه، وبناء على الجدول المضبوط سلفاً، يمكن أن نقترح جدولاً آخر ينبني، على الصعيد السيمي sémique، على الثنائية موت/حياة:

الممثلون
الملفوظات
السيمات

أهل الدولة ومياسير التجار وأولو النعمة والترف والمتصرفون بالأراضي الواسعة.
النعمة والترف

فقد اغتنوا، وفيهم من عظمت ثروته
الحياة

الحياة

متوسطو الحال من التجار

الحياة

الفقهاء وطلاب العلم وصغار الموظفين
ساءت أحوالهم وعظم بؤسهم.
البؤس

أصحاب الصنائع وأرباب المهن والأجراء والحمالون والخدم.

أهل الخصاصة والمسكنة.
مات أكثرهم

فقد فني معظمهم جوعاً
الموت

الجوع والموت


3) المربع السيميائي: محاولة الاقتراب من الدورة الدلالية للنص:
من هذه المنطلقات، نلاحظ أن أهل الدولة أسسوا نظاماً يحتكم فيه الاقتصادي إلى السياسي، ويخضع له سلم اجتماعي يعكس التوزيع المجتمعي القائم على أساس الملك/ المعرفة/ السلطة. إن أهل الدولة لا يقتصرون فقط على إقصاء الفئة المثقفة من مجال اهتمامهم ومن مراكز النفوذ في النظام السياسي، بل يعمدون أيضاً إلى تجويعهم وقتلهم. وقد لا نبالغ إذا قلنا إنهم في نفس مستوى الفئة الفقيرة، وتلقى نفس مصيرها في الوقت الذي يقربون فيه الفئة المترفة الجاهلة من مركز القرار. من هنا يكون التحالف بينهما مسخراً لتثبيت قطيعتهم مع الفئات المتضررة من الوضع، ونسف كل إمكانية تواصل معها. إن المقريزي بوصفه رمزاً من رموز الفئة المثقفة يتمثل جيداً وضعهم المتردي ويسعى إلى معارضة السلطة من موقع المحرك في سبيل تفعيلهم وإيقاظ وعيهم. ولتحقيق هذه البغية، فإنه يبني على أنقاض القناعات القدرية المستشرية في أوساط الناس منطقاً آخر يحمل مسوؤلية ما حدث من مجاعات أهل الدولة الذين يعملون على نشر الاعتقاد القدري في أوساط الناس في سبيل دفعهم إلى الخضوع والاستسلام. إن المنطق الذي ينضوي تحته خطاب المقريزي يعمل على تجريد الحاكم من أية مصداقية سياسية، وعلى نسف علة وجوده في سدة الحكم. وعليه، فإن خطاب المقريزي يعكس صراعاً نلمس دورته الدلالية في المربع السيميائي([7]) الآتي:



العلم ــ الجهل



اللاجهل ــ اللاعلم



إن هذا الخطاب يعمل على تجلية مسارين، نلمس في المسار الأول أهل الدولة الذين يعززون قناعتهم بتكريس التناقضات الاجتماعية من خلال عملية نفي العلم لتثبيت الجهل. وندرك في المسار الثاني رغبة المقريزي في تعبئة فئات المجتمع بدعوتها إلى التأمل في المجاعات ومعرفة أسبابها التي تقود حتماً إلى إدراك نظام يستمد علة وجوده من سوء التسيير وإتلاف مصالح الناس. إن الاستراتيجية السيميائية للمقريزي مسخرة لبناء الكفاءة العلمية للفئات المجتمعية والارتقاء بها، بهدف امتلاك العلم الذي يعد السبيل الوحيد للتخلص من شبح البؤس والجوع والموت.



¡ البيبليوغرافيا
1- إغاثة الأمة بكشف الغمة، أو تاريخ المجاعات في مصر، تقي الدين أحمد بن علي المقريزي، دار ابن الوليد ودار الجماهير الشعبية، دمشق، 1956.

2- مراهنات دراسة الدلالات اللغوية، آن إينو، ترجمة أوديت بتيت وخليل أحمد، دار السؤال للطباعة والنشر، دمشق، 1980.

- Paul Dubouchet, Sémiotique juridique, Introduction à une science du droit, P.U.F, Paris, 1990.

- oseph Courtés, Analyse sémiotique du discours, Hachette, Paris, 1991, p. 86.

- A.J. Greimas, J. courtés, Dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Hachette, Paris, 1979, p. 114.

- Groupe d Entrevernes, Analyse sémiotique des ****s; P.U.L, 1984.


--------------------------------------------------------------------------------

([1]) سيميائية: لفظة معرّبة من الفرنسية semeiologie ومعناها كما ورد في معجم لاروس، والمعجم الطبي الموحد، علم العلامات والأعراض، أو من الانكليزية semiotic ويقابلها في معجم المورد (علاماتي- أعراضي)، والأفضل أن يقال علم الأسباب.

* أستاذ في جامعة أبي بكر بلقايد بتلمسان- الجزائر.

([3]) Paul Dubouchet, Sémiotique juridique, Introduction à une science du droit, P.U.F, Paris, 1990.

([4]) Joseph Courtés, Analyse sémiotiqud du discours, Hachette, Paris, 1991, p. 86.

([5]) A.J. Greimas, J. courtés, Dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Hachette, Paris, 1979, p.114.

نور الاسلام
نور الاسلام
فنان ملكى
فنان ملكى

عدد الرسائل : 17277
العمر : 34
البلد : اسالوا كل الناس مين هم اجدع ناس
رقم العضوية : 3
اللقب : اصغر مدرسه
الدولة : كتاب" إغاثة الأمة بكشف الغمّة للمقريزي " Egypti10
تاريخ التسجيل : 07/07/2007

http://www.islamweb.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كتاب" إغاثة الأمة بكشف الغمّة للمقريزي " Empty رد: كتاب" إغاثة الأمة بكشف الغمّة للمقريزي "

مُساهمة من طرف نور الاسلام السبت فبراير 16, 2008 10:25 am

([6]) -القسم الأول: أهل الدولة الذين تكثر أموالهم لزيادة خراج الأرض.

-القسم الثاني: مياسير التجار وأولو النعمة والترف.

-القسم الثالث: متوسطو الحال من التجار.

-القسم الرابع: أصحاب الفلاحة والحرث، ويشكلون فئتين:

أ-فئة العمال الزراعيين والفقراء ومن لا أرض له، أو يتصرف بأرض صغيرة، فقد هلك معظمهم من شدة السنين.

ب-فئة المتصرفين بالأراضي الواسعة، فقد اغتنوا، وفيهم من عظمت ثروته.

-القسم الخامس: الفقهاء وطلاب العلم وصغار الموظفين، فقد ساءت أحوالهم وعظم بؤسهم.

-القسم السادس: هم أصحاب الصنائع وأرباب المهن. يدخل ضمن هذه الفئة الأجراء، الحمالون والخدم... مات أكثرهم.

-القسم السابع: وهم أهل الخصاصة والمسكنة الذين لا يملكون شيئاً. فقد فني معظمهم جوعاً.

([7]) لمزيد من التوضيح حول الخلفية النظرية للمربع السيميائي، انظر:

- آن إينو، مراهنات دراسة الدلالات اللغوية، ترجمة أوديت بتيت وخليل أحمد، دار السؤال للطباعة والنشر، دمشق، 1980.

-Groupe d Entrevernes, Analyse sémiotique des ****s; P.U.L, 1984.


http://www.awu-dam.org/trath/85/trath85-014.htm
نور الاسلام
نور الاسلام
فنان ملكى
فنان ملكى

عدد الرسائل : 17277
العمر : 34
البلد : اسالوا كل الناس مين هم اجدع ناس
رقم العضوية : 3
اللقب : اصغر مدرسه
الدولة : كتاب" إغاثة الأمة بكشف الغمّة للمقريزي " Egypti10
تاريخ التسجيل : 07/07/2007

http://www.islamweb.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى