قصة بناء مسجد اشبيلية
صفحة 1 من اصل 1
قصة بناء مسجد اشبيلية
مقدمة:
عمل الموحدون على إشراك كافة الفعاليات الفكرية والعلمية التي توفرت لهم في المغرب والأندلس لصناعة مجدهم الحضاري . ومعروف عن كبار علماء العهد الموحدي كابن رشد وابن طفيل وابن زهر وغيرهم انخراطهم في الحياة العلمية والعملية، ونزولهم من أبراج الفكر والفلسفة العالية إلى ساحة البناء والجهاد، جنبا إلى جنب مع البنائين والنجارين والعرفاء والجنود والمتطوعة. وحتى فقهاء الدولة الموحدية وطلبتها وحفاظها كانوا رجال علم وعمل.
ولكي تأتي هذه الحركة أكلها فقد كفل الموحدون للناس حرية الفكر والعمل، وخاصة في ولاية أبي يعقوب يوسف بن عبد المومن ( 558 - 580 هج ).
وأظهر الموحدون رغبة كبيرة في تخليد مجدهم عن طريق تنفيذ مشاريع ضخمة في مجال التخطيط الهندسي والبناء العمراني وجلب المياه للحواضر الكبيرة في العدوتين المغربية والأندلسية عن طريق شق القنوات ومد الجسور وبناء الخزانات الهائلة، وتأمين شبكة الطرق البرية والبحرية، مع التركيز على مدن تجمعاتهم الكبرى استعدادا للعبور إلى العدوة الأندلسية بغرض الجهاد كرباط الفتح ( الرباط حاليا، وعاصمة المملكة المغربية) التي اختطت في عهدهم كمدينة جديدة سيكون لها الأثر الفعال في مجمل تاريخ المغرب، وكجبل الفتح (جبل طارق) الذي تعهدوه بالبناء والتوسعة والتحصين، حيث كانت تكتمل عنده تجمعات الحشود الموحدية القادمة من جميع البلاد الموحدية العربية والبربرية مع ما يتطلبه ذلك من توفير الذخائر الحربية والمؤونة والسفن الكافية لنقل تلك الحشود الهائلة إلى بر العدوة الأندلسية.
كما أظهر الموحدون عناية خاصة بنظام البريد والرقاصين (حاملي البريد) لتأمين سرعة نقل الأخبار والمستجدات بين حاضرة ملكهم في مراكش وقاعدة ملكهم في الأندلس إشبيلية، أو في المغرب الأوسط كبجاية، أو في إفريقية كالمهدية، وذلك على مراحل معلومة وهيأة مخصوصة سنعود إليها بالتفصيل في إدراجات لاحقة.
أما الآن فنريد أن نعرض لبعض المآثر العمرانية التي خلفها الموحدون. وقد تعاون على تخطيطها وبنائها خيرة المهندسين والبنائين والحرفيين والصناع من بلدان الأندلس والمغرب ، ومن العرب والبربر، على حد سواء.
وفي ذلك مظهر كبير من الوحدة والتآلف تفتقدهما الدول العربية الآن، وإن كانت أحوج ما تكون إليهما.
عمل الموحدون على إشراك كافة الفعاليات الفكرية والعلمية التي توفرت لهم في المغرب والأندلس لصناعة مجدهم الحضاري . ومعروف عن كبار علماء العهد الموحدي كابن رشد وابن طفيل وابن زهر وغيرهم انخراطهم في الحياة العلمية والعملية، ونزولهم من أبراج الفكر والفلسفة العالية إلى ساحة البناء والجهاد، جنبا إلى جنب مع البنائين والنجارين والعرفاء والجنود والمتطوعة. وحتى فقهاء الدولة الموحدية وطلبتها وحفاظها كانوا رجال علم وعمل.
ولكي تأتي هذه الحركة أكلها فقد كفل الموحدون للناس حرية الفكر والعمل، وخاصة في ولاية أبي يعقوب يوسف بن عبد المومن ( 558 - 580 هج ).
وأظهر الموحدون رغبة كبيرة في تخليد مجدهم عن طريق تنفيذ مشاريع ضخمة في مجال التخطيط الهندسي والبناء العمراني وجلب المياه للحواضر الكبيرة في العدوتين المغربية والأندلسية عن طريق شق القنوات ومد الجسور وبناء الخزانات الهائلة، وتأمين شبكة الطرق البرية والبحرية، مع التركيز على مدن تجمعاتهم الكبرى استعدادا للعبور إلى العدوة الأندلسية بغرض الجهاد كرباط الفتح ( الرباط حاليا، وعاصمة المملكة المغربية) التي اختطت في عهدهم كمدينة جديدة سيكون لها الأثر الفعال في مجمل تاريخ المغرب، وكجبل الفتح (جبل طارق) الذي تعهدوه بالبناء والتوسعة والتحصين، حيث كانت تكتمل عنده تجمعات الحشود الموحدية القادمة من جميع البلاد الموحدية العربية والبربرية مع ما يتطلبه ذلك من توفير الذخائر الحربية والمؤونة والسفن الكافية لنقل تلك الحشود الهائلة إلى بر العدوة الأندلسية.
كما أظهر الموحدون عناية خاصة بنظام البريد والرقاصين (حاملي البريد) لتأمين سرعة نقل الأخبار والمستجدات بين حاضرة ملكهم في مراكش وقاعدة ملكهم في الأندلس إشبيلية، أو في المغرب الأوسط كبجاية، أو في إفريقية كالمهدية، وذلك على مراحل معلومة وهيأة مخصوصة سنعود إليها بالتفصيل في إدراجات لاحقة.
أما الآن فنريد أن نعرض لبعض المآثر العمرانية التي خلفها الموحدون. وقد تعاون على تخطيطها وبنائها خيرة المهندسين والبنائين والحرفيين والصناع من بلدان الأندلس والمغرب ، ومن العرب والبربر، على حد سواء.
وفي ذلك مظهر كبير من الوحدة والتآلف تفتقدهما الدول العربية الآن، وإن كانت أحوج ما تكون إليهما.
رد: قصة بناء مسجد اشبيلية
ب - وصف بناء جامع إشبيلية الكبير ( الخيرالدا ):
أتى المؤرخ الموحدي ابن صاحب الصلاة في سياق خبر بنائه، وكان شاهد عيان على ذلك في كتابه ( المن بالإمامة ) (1) على ذكر معلومات هامة مفيدة للمحققين والمهتمين بفن العمارة والحضارة والتخطيط؛ كذكر من أسهم في ذلك البناء الشامخ إلى الآن ومن أشرف عليه، وسبب بنائه، وكيفية بنائه، وصعوبة رفع الدعائم والبلاطات والقباب والمنبر والصومعة، ومواد البناء والزخرفة والتزيين، قال:
وفي هذه السنة ( يقصد سنة 567 هجرية) في شهر رمضان ابتدأ أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين ( يقصد أبا يعقوب يوسف بن عبد المومن) باختطاط موضع هذا الجامع العتيق الأنيق، فهدمت الديار داخل القصبة له، وحضر على ذلك شيخ العرفاء أحمد بن باسه(2) وأصحابه العرفاء البناؤون من أهل إشبيلية، وجميع عرفاء أهل الأندلس، ومعهم عرفاء البنائين من أهل حضرة مراكش ومدينة فاس وأهل العدوة، فاجتمع بإشبيلية منهم ومن أصناف النجارين والنشارين والفعلة لأصناف البناء أعداد، من كل صنف صناع مهرة في فن من الأعمال أفراد.
وكان الذي دعا أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين لبنائه ما خصصه الله به من الدين والورع، وأن يخص إشبيلية بالتمصير والتسكين بأشرف مرآى ومسمع، ولأنه كان قد قطنها في مصيف ومربع، وكان الموحدون الفاتحون لها قد اتخذوا في قصبتهم بداخل إشبيلية جامعا صغيرا لصلاتهم في أيامهم وجمعهم، فضاق عند استيطانهم عنهم لتناسلهم وترادف وفود الموحدين إليهم بالعساكر، وكان أيضا جامع مدينة إشبيلية المعروفة بجامع العدبس قد ضاق بأهلها، فيصلون في رحابه وأفنيته، وفي جوانب الأسواق المتصلة به فيبعد عنهم التكبير بالفريضة، فربما فسدت صلاتهم، ولم تمتد قط فيما سلف من الأزمنة همم ملوكهم وأمرائهم في السيرات إلى توسعته والزيادة فيه، للذي كانوا عليه عاكفين من تهالكهم في الإمارة وهويهم في ضلال الفتنة بينهم، وإهمال المسلمين بغير حماية، لعمارة في دار قراره إلى أن جمع الله تعالى الإسلام بهذا الأمر العزيز بالتوحيد بعد فترة، وبهذا الخليفة الإمام أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين أبي يعقوب بن الخليفة أمير المؤمنين رضي الله عنهم الذي سمت به الخلافة، وأنافت به المعالم والديانة أعظم إنافة، ووصل لنصر جزيرة الأندلس بعساكره المنصورة، فحاز الذخر والأجر في بناء هذا المسجد الجامع الكبير توسعة للناس.
أتى المؤرخ الموحدي ابن صاحب الصلاة في سياق خبر بنائه، وكان شاهد عيان على ذلك في كتابه ( المن بالإمامة ) (1) على ذكر معلومات هامة مفيدة للمحققين والمهتمين بفن العمارة والحضارة والتخطيط؛ كذكر من أسهم في ذلك البناء الشامخ إلى الآن ومن أشرف عليه، وسبب بنائه، وكيفية بنائه، وصعوبة رفع الدعائم والبلاطات والقباب والمنبر والصومعة، ومواد البناء والزخرفة والتزيين، قال:
وفي هذه السنة ( يقصد سنة 567 هجرية) في شهر رمضان ابتدأ أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين ( يقصد أبا يعقوب يوسف بن عبد المومن) باختطاط موضع هذا الجامع العتيق الأنيق، فهدمت الديار داخل القصبة له، وحضر على ذلك شيخ العرفاء أحمد بن باسه(2) وأصحابه العرفاء البناؤون من أهل إشبيلية، وجميع عرفاء أهل الأندلس، ومعهم عرفاء البنائين من أهل حضرة مراكش ومدينة فاس وأهل العدوة، فاجتمع بإشبيلية منهم ومن أصناف النجارين والنشارين والفعلة لأصناف البناء أعداد، من كل صنف صناع مهرة في فن من الأعمال أفراد.
وكان الذي دعا أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين لبنائه ما خصصه الله به من الدين والورع، وأن يخص إشبيلية بالتمصير والتسكين بأشرف مرآى ومسمع، ولأنه كان قد قطنها في مصيف ومربع، وكان الموحدون الفاتحون لها قد اتخذوا في قصبتهم بداخل إشبيلية جامعا صغيرا لصلاتهم في أيامهم وجمعهم، فضاق عند استيطانهم عنهم لتناسلهم وترادف وفود الموحدين إليهم بالعساكر، وكان أيضا جامع مدينة إشبيلية المعروفة بجامع العدبس قد ضاق بأهلها، فيصلون في رحابه وأفنيته، وفي جوانب الأسواق المتصلة به فيبعد عنهم التكبير بالفريضة، فربما فسدت صلاتهم، ولم تمتد قط فيما سلف من الأزمنة همم ملوكهم وأمرائهم في السيرات إلى توسعته والزيادة فيه، للذي كانوا عليه عاكفين من تهالكهم في الإمارة وهويهم في ضلال الفتنة بينهم، وإهمال المسلمين بغير حماية، لعمارة في دار قراره إلى أن جمع الله تعالى الإسلام بهذا الأمر العزيز بالتوحيد بعد فترة، وبهذا الخليفة الإمام أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين أبي يعقوب بن الخليفة أمير المؤمنين رضي الله عنهم الذي سمت به الخلافة، وأنافت به المعالم والديانة أعظم إنافة، ووصل لنصر جزيرة الأندلس بعساكره المنصورة، فحاز الذخر والأجر في بناء هذا المسجد الجامع الكبير توسعة للناس.
رد: قصة بناء مسجد اشبيلية
فأسسه من الماء بالآجر والجيار والحصى والأحجار، على أعظم البناء والإقتدار، وأسس أرجله المعقودة بطاقات بلاطاته تحت الأرض أطول مما فوق الأرض، وجمع عليه الفعلة بكثرة الرجال والخدام وإحضار الآلات من الخشب المجلوب من سواحل العدوة، بما لم يقدر عليه ملك من ملوك الأندلس قبله، فأعلى بنيته وصقل صفحته بالإتقان لتشييده وتوثيقه،
وأنفذ أمره العالي ببنائه في شهر رمضان من سنة سبع وستين وخمسمائة المؤرخة، لم يرفع البناء عنه قط في فصل من فصول السنين مدة إقامته بإشبيلية إلى أن كمل بالتسقيف، وجاء في أبهى المنظر الشريف، وأعجز في بنائه من تقدمه، وبقي في ميزانه ذخيرة ورحمة له مقدمة، قارب به جامع قرطبة في السعة، وليس في الأندلس جامع على قدره وسعته وعدد بلاطاته.
وكان الناظر على البنائين والعرفاء العريف أحمد بن باسه(1)، وصاحب تقييد الإنفاق أبو داود يلول بن جلداسن خاصة أمير المؤمنين ومشرفه على الأعمال، ومن أهل إشبيلية أبو بكر بن زهر، وأبو بكر اليناقي، ثم شركهم في النظر عبد الرحمان بن أبي مروان بن سعيد العنسي الغرناطي.
فظهرت على كتابه وأصحابه خيانة، فعزل وعزلوا واستبدلوا، ورجع النظر إلى أبي داود واستبد به مع خاصته تحت أمره إبراهيم الدباغ مع مشاركة ابن زهر المذكور.
وكانت سُرَب المدينة تشق بجريها تحت الأرض على مواضع اختطاط هذا الجامع فنُكِّبت عنه، وأخرجت بطريقها منه وصرفت إلى جهة الجوف منه على أوسع مجرى وواثق مسرى على سَرَب واسع، وعمل بأعداد من الرجال على أوثق البناء تحت الأرض جار إلى الوادي تحت الأرض قاطع.
واهتبل العرفاء واستعرفوا، وتحدقوا في بناء القبة التي على محرابه أعظم الاهتبال، في العمل بصنعة الجبس والأقباء بالبناء ونجارة الخشب بغاية الاحتفال، وأقبوا يسار المحراب ساباطا في الحائط يمشي في سعة فيه الماشي معدا لخروج الخليفة عليه من القصر إلى هذا الجامع لشهود صلاة الجمعة ينذر منه المنذر على بابه الخاص الرفيع، وعلى يمين المحراب إقباء في حائط الجامع معقود بالبناء لكون المنبر فيه عند إخراجه للخطبة وإدخاله فيه.
وأنفذ أمره العالي ببنائه في شهر رمضان من سنة سبع وستين وخمسمائة المؤرخة، لم يرفع البناء عنه قط في فصل من فصول السنين مدة إقامته بإشبيلية إلى أن كمل بالتسقيف، وجاء في أبهى المنظر الشريف، وأعجز في بنائه من تقدمه، وبقي في ميزانه ذخيرة ورحمة له مقدمة، قارب به جامع قرطبة في السعة، وليس في الأندلس جامع على قدره وسعته وعدد بلاطاته.
وكان الناظر على البنائين والعرفاء العريف أحمد بن باسه(1)، وصاحب تقييد الإنفاق أبو داود يلول بن جلداسن خاصة أمير المؤمنين ومشرفه على الأعمال، ومن أهل إشبيلية أبو بكر بن زهر، وأبو بكر اليناقي، ثم شركهم في النظر عبد الرحمان بن أبي مروان بن سعيد العنسي الغرناطي.
فظهرت على كتابه وأصحابه خيانة، فعزل وعزلوا واستبدلوا، ورجع النظر إلى أبي داود واستبد به مع خاصته تحت أمره إبراهيم الدباغ مع مشاركة ابن زهر المذكور.
وكانت سُرَب المدينة تشق بجريها تحت الأرض على مواضع اختطاط هذا الجامع فنُكِّبت عنه، وأخرجت بطريقها منه وصرفت إلى جهة الجوف منه على أوسع مجرى وواثق مسرى على سَرَب واسع، وعمل بأعداد من الرجال على أوثق البناء تحت الأرض جار إلى الوادي تحت الأرض قاطع.
واهتبل العرفاء واستعرفوا، وتحدقوا في بناء القبة التي على محرابه أعظم الاهتبال، في العمل بصنعة الجبس والأقباء بالبناء ونجارة الخشب بغاية الاحتفال، وأقبوا يسار المحراب ساباطا في الحائط يمشي في سعة فيه الماشي معدا لخروج الخليفة عليه من القصر إلى هذا الجامع لشهود صلاة الجمعة ينذر منه المنذر على بابه الخاص الرفيع، وعلى يمين المحراب إقباء في حائط الجامع معقود بالبناء لكون المنبر فيه عند إخراجه للخطبة وإدخاله فيه.
رد: قصة بناء مسجد اشبيلية
وصنع هذا المنبر من أغرب ما قدر عليه الفعلة من غرابة الصنعة، اتخذ من أكرم الخشب مفصلا منقوشا مرقشا محكما بأنواع الصنعة والحكمة في ذلك، من غريب العمل، وعجيب الشكل والمثل، مرصعا بالصندل، مجزعا بالعاج والأبنوس، يتلألأ كالجمر بالشعل، وبصفائح من الذهب والفضة، وأشكال في عمله من الذهب الإبريز يتألق نورا، ويحسبها الناظر لها في الليل البهيم بدورا.
ثم أردفت له بالعمل المقصورة من أحسن الخشب مختصرة من قضبه، وثيقة لحجبه.
وكان الخليفة يتطلع بناءه في أكثر الأيام بنفسه، فيصل لرؤيته ومعه أخوه السيد الأعلى أبو حفص، مع أعلام إخوته وأشياخ مملكته، ووزيره ووجوه رجاله من طلبته وأهل دولته. ويشير لهم بالجد في البناء، والوثاقة فيه والاستعلاء، والعكوف بعمل الأمانة والديانة وترك الأهواء، ويعطيهم البركات، ويعدهم على ذلك العمل بالصلات، حتى انكملت جهاته الأربع بالبناء، وعقد الأقواس منه بالأقباء، وكمل التسقيف، ثم حان انصراف أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين رضي الله عنه إلى حضرته مراكش في الرابع عشر من شهر شعبان المبارك من عام أحد وسبعين وخمسمائة، وأمر بتسريح العرفاء والبنائين والصباغ إلى مواطنهم، فكانت المدة في بنائه ثلاثة أعوام وأحد عشر شهرا قمرية وتحرك أمير المؤمنين حركته المذكورة.
صومعة الخيرالدا حاليا، عن : islamonline
———-
هامش:
(1) بتحقيق الدكتور عبد الهادي التازي. دار الأندلس، ط1/ 1964.
(2) ابن باسة هذا من أبرز خبراء البناء والتصميم والتخطيط وتنفيذ المشاريع الموحدية الكبرى التي أسندت إليه كجامع إشبيلية العظيم ( الخيرالدا). ومن أبرز وأشهر المهندسين، إلى جانب ابن باسة الحاج يعيش المالقي، وكانت له اختراعات هندسية وتصميمية عجيبة، كمقصورة المسجد الجامع بمراكش. وكانت تتحرك آليا، بحيث تنخفض عند دخول الخليفة، وترتفع عند خروجه. وهو الذي تكفل أيضا بجلب الماء إلى خزان إشبيلية، ثم قام بتوزيعه على أحيائها.
ومن عجائب صناعاته الميكانيكية المطحنة الهوائية التي أقامها بجبل الفتح، جبل طارق.
ثم أردفت له بالعمل المقصورة من أحسن الخشب مختصرة من قضبه، وثيقة لحجبه.
وكان الخليفة يتطلع بناءه في أكثر الأيام بنفسه، فيصل لرؤيته ومعه أخوه السيد الأعلى أبو حفص، مع أعلام إخوته وأشياخ مملكته، ووزيره ووجوه رجاله من طلبته وأهل دولته. ويشير لهم بالجد في البناء، والوثاقة فيه والاستعلاء، والعكوف بعمل الأمانة والديانة وترك الأهواء، ويعطيهم البركات، ويعدهم على ذلك العمل بالصلات، حتى انكملت جهاته الأربع بالبناء، وعقد الأقواس منه بالأقباء، وكمل التسقيف، ثم حان انصراف أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين رضي الله عنه إلى حضرته مراكش في الرابع عشر من شهر شعبان المبارك من عام أحد وسبعين وخمسمائة، وأمر بتسريح العرفاء والبنائين والصباغ إلى مواطنهم، فكانت المدة في بنائه ثلاثة أعوام وأحد عشر شهرا قمرية وتحرك أمير المؤمنين حركته المذكورة.
صومعة الخيرالدا حاليا، عن : islamonline
———-
هامش:
(1) بتحقيق الدكتور عبد الهادي التازي. دار الأندلس، ط1/ 1964.
(2) ابن باسة هذا من أبرز خبراء البناء والتصميم والتخطيط وتنفيذ المشاريع الموحدية الكبرى التي أسندت إليه كجامع إشبيلية العظيم ( الخيرالدا). ومن أبرز وأشهر المهندسين، إلى جانب ابن باسة الحاج يعيش المالقي، وكانت له اختراعات هندسية وتصميمية عجيبة، كمقصورة المسجد الجامع بمراكش. وكانت تتحرك آليا، بحيث تنخفض عند دخول الخليفة، وترتفع عند خروجه. وهو الذي تكفل أيضا بجلب الماء إلى خزان إشبيلية، ثم قام بتوزيعه على أحيائها.
ومن عجائب صناعاته الميكانيكية المطحنة الهوائية التي أقامها بجبل الفتح، جبل طارق.
رد: قصة بناء مسجد اشبيلية
استمر البناء في مسجد إشبييلية إلى عهد الخليفة الموالي أبي يوسف، ولم توضع اللمسات الأخيرة النهائية، بتعليق التفافيح بأعلى الصومعة إلا بعد فراغ هذا الخليفة من غزوة الأرك في شهر شعبان من سنة 591 هجرية.
وكان انتصار الموحدين على نصارى الأندلس بقيادة ملكهم ( أذفونش ) في هذه المعركة الحاسمة، علامة مميزة في تاريخ الموحدين خاصة، والمغرب عامة، وبداية عهد جديد من البناء والإصلاح والإشعاع مكن المسلمين بجهود المغاربة المخلصين من ترسيخ أقدامهم لسنوات عديدة أخرى على أرض الأندلس، فردوس المسلمين المفقود.
وفي هذه الورقة الثانية سنقصر حديثنا على كيفية بناء صومعة أو منارة إشبيلية، ورفع التفافيح المذهبة بأعلاها في يوم حافل مشهود بعد ذلك الانتصار الرائع الذي أحرزه الموحدون، وكأنهم كانوا على موعد مع التاريخ ليختم لهم بحسنى الجهاد، وحسنى البناء والتشييد لتتم لهم كلمة التوحيد التي ناضلوا من أجلها منذ بداية دعوتهم.
ومن المعلوم لدى المؤرخين ودارسي الآثار، وحتى لدى المراقب العادي التشابه الكبير، من حيث الشكل والتخطيط، بين بناء منارة إشبيلية الأندلسية ومنارة الكتبية المراكشية وحسان الرباطية التي لم يكتب لها أن تكتمل كأخوتيها.
ولا زالت منارة الكتبية بمراكش شامخة بعد الفراغ من ترميمها في السنوات الأخيرة، وهي تعد بمثابة القلب النابض لهذه المدينة، وإليها تأوي أفئدة السواح القادمين إلى مراكش من شتى بلدان العالم، وليس بينها وبين ساحة جامع الفنا العجيبة إلا بضع خطوات.(1)
وكان انتصار الموحدين على نصارى الأندلس بقيادة ملكهم ( أذفونش ) في هذه المعركة الحاسمة، علامة مميزة في تاريخ الموحدين خاصة، والمغرب عامة، وبداية عهد جديد من البناء والإصلاح والإشعاع مكن المسلمين بجهود المغاربة المخلصين من ترسيخ أقدامهم لسنوات عديدة أخرى على أرض الأندلس، فردوس المسلمين المفقود.
وفي هذه الورقة الثانية سنقصر حديثنا على كيفية بناء صومعة أو منارة إشبيلية، ورفع التفافيح المذهبة بأعلاها في يوم حافل مشهود بعد ذلك الانتصار الرائع الذي أحرزه الموحدون، وكأنهم كانوا على موعد مع التاريخ ليختم لهم بحسنى الجهاد، وحسنى البناء والتشييد لتتم لهم كلمة التوحيد التي ناضلوا من أجلها منذ بداية دعوتهم.
ومن المعلوم لدى المؤرخين ودارسي الآثار، وحتى لدى المراقب العادي التشابه الكبير، من حيث الشكل والتخطيط، بين بناء منارة إشبيلية الأندلسية ومنارة الكتبية المراكشية وحسان الرباطية التي لم يكتب لها أن تكتمل كأخوتيها.
ولا زالت منارة الكتبية بمراكش شامخة بعد الفراغ من ترميمها في السنوات الأخيرة، وهي تعد بمثابة القلب النابض لهذه المدينة، وإليها تأوي أفئدة السواح القادمين إلى مراكش من شتى بلدان العالم، وليس بينها وبين ساحة جامع الفنا العجيبة إلا بضع خطوات.(1)
رد: قصة بناء مسجد اشبيلية
وبالعودة إلى تفاصيل بناء منارة إشبيلية نلاحظ أن هذا البناء قد تم بشكل متقطع زمنيا، ولم يستأنف هذا البناء بشكل جدي نسبيا إلا سنة 584 هجرية، وتحت إشراف أبي بكر بن زهر هذه المرة، كما أشار إلى ذلك ابن صاحب الصلاة.
غير أن الجديد الذي نسجله هوأن عملية إكمال المشروع قد عهدت هذه المرة إلى المهندس المغربي علي الغماري الذي حل محل أحمد بن باسة المذكور آنفا، في الورقة الأولى.
كما يلاحظ أن المشرفين على البناء والمهندسين والبنائين والعرفاء ربما كانوا يتنقلون بين العدوتين بالتناوب، أو ربما لأنهم كانوا ينجزون عمليات البناء في المساجد الثلاثة المذكورة آنفا، في نفس الوقت، باعتبارها مشروعا واحدا للدولة، وإن تباينت المسافة بينها كثيرا. و يفسر ذلك أن على الغماري نفسه كان دائم المراوحة بين حضرة مراكش وإشبيلية.
وأول ما قام به علي الغماري هذا تعديل ما اختل من بناء جامع إشبيلية في السنوات السابقة من جهاته الأربع، أومن جهة دعاماته، أو من جهة حيطانه وسقوفه .
كما أضاف إليه إضافات جديدة كوضع الشمسيات الزجاجية، وإحكام تسقيف سطوحه بالآجر من الخارج .
وذكر ابن صاحب الصلاة في أمر بناء الصومعة أمرا عجيبا، وهو أنها صنعت بغير أدراج، وأنه كان يصعد إليها في طريق واسعة للدواب والناس والسدنة.
ودامت أشغال بناء تلك الصومعة بشكل متقطع أعواما كان الغماري يراوح خلالها بين العدوتين، ولن تأخذ هذه الصومعة شكلها النهائي بتعليق التفافيح بأعلى صومعة الصومعة(2) إلا بعد مضي ثلاث سنوات عن معركة الأرك.
واليك الآن عزيزي القارئ وصف المؤرخ ابن صاحب الصلاة لعملية نصب التفافيح بأعلى المنارة بعد أن تم الفراغ منها، قال:
…. فلما وصل أمير المؤمنين وهزم الله اذفونش الطاغية أهلكه الله على ما ذكرته أمر رضي الله عنه في مدة إقامته بإشبيلية بعمل التفافيح الغريبة الصنعة، العظيمة الرفعة، الكبيرة الجرم، المذهبة الرسم، الرفيعة الإسم والجسم، فرفعت في منارها بمحضره.
غير أن الجديد الذي نسجله هوأن عملية إكمال المشروع قد عهدت هذه المرة إلى المهندس المغربي علي الغماري الذي حل محل أحمد بن باسة المذكور آنفا، في الورقة الأولى.
كما يلاحظ أن المشرفين على البناء والمهندسين والبنائين والعرفاء ربما كانوا يتنقلون بين العدوتين بالتناوب، أو ربما لأنهم كانوا ينجزون عمليات البناء في المساجد الثلاثة المذكورة آنفا، في نفس الوقت، باعتبارها مشروعا واحدا للدولة، وإن تباينت المسافة بينها كثيرا. و يفسر ذلك أن على الغماري نفسه كان دائم المراوحة بين حضرة مراكش وإشبيلية.
وأول ما قام به علي الغماري هذا تعديل ما اختل من بناء جامع إشبيلية في السنوات السابقة من جهاته الأربع، أومن جهة دعاماته، أو من جهة حيطانه وسقوفه .
كما أضاف إليه إضافات جديدة كوضع الشمسيات الزجاجية، وإحكام تسقيف سطوحه بالآجر من الخارج .
وذكر ابن صاحب الصلاة في أمر بناء الصومعة أمرا عجيبا، وهو أنها صنعت بغير أدراج، وأنه كان يصعد إليها في طريق واسعة للدواب والناس والسدنة.
ودامت أشغال بناء تلك الصومعة بشكل متقطع أعواما كان الغماري يراوح خلالها بين العدوتين، ولن تأخذ هذه الصومعة شكلها النهائي بتعليق التفافيح بأعلى صومعة الصومعة(2) إلا بعد مضي ثلاث سنوات عن معركة الأرك.
واليك الآن عزيزي القارئ وصف المؤرخ ابن صاحب الصلاة لعملية نصب التفافيح بأعلى المنارة بعد أن تم الفراغ منها، قال:
…. فلما وصل أمير المؤمنين وهزم الله اذفونش الطاغية أهلكه الله على ما ذكرته أمر رضي الله عنه في مدة إقامته بإشبيلية بعمل التفافيح الغريبة الصنعة، العظيمة الرفعة، الكبيرة الجرم، المذهبة الرسم، الرفيعة الإسم والجسم، فرفعت في منارها بمحضره.
رد: قصة بناء مسجد اشبيلية
وحضر المهندسون في إعلائها على رأيه وبلوغ وطره مركبة في عمود عظيم من الحديد مرسى أصله في بنيان أعلى صومعة الصومعة أعلاها، زنة العمود مائة وأربعون ربعا من حديد، موثقا هناك في تلاحك ( أي تلاحم ) البنيان بارز طرفه الحامل لهذه الأشكال المسماة بالتفافيح إلى الهواء، يكابد من زعازع الرياح وصدمات الأمطار ما يطول التعجب منه من مقاومته وثباته.
وكان عدد الذهب الذي طليت به هذه التفافيح الثلاث الكبار والرابعة الصغرى سبعة آلاف مثقالا كبارا يعقوبية (3)، عملها الصناع بين يدي أمير المؤمنين وحضوره.
ولما كملت سترت بالأغشية من شقاق الكتان لئلا ينالها الدنس من الأيدي والغبار، وحملت على العجل مجرورة حتى إلى الصومعة بالتكبير عليها والتهليل حتى وصلت، ورفعت بالهندسة حتى إلى أعلى صومعة الصومعة المذكورة ووضعت في العمود وحصلت فيه وحصنت بمحضر أمير المؤمنين أبي يوسف المنصور رضي الله عنه، وبمحضر ابنه وولي عهده أبي عبد الله السعيد الناصر لدين الله، وجميع بنيه وأشياخ الموحدين والقاضي وطلبة الحضر وأهل الوجاهة من الناس، وذلك في يوم الأربعاء عقب ربيع الآخر، بموافقة التاسع عشر من مارس العجمي، من عام أربعة وتسعين وخمسمائة، ثم كشفت عن أغشيتها فكادت تغشي الأبصار من تألقها بالذهب الخالص الإبريز وبشعاع رونقها.
وكان عدد الذهب الذي طليت به هذه التفافيح الثلاث الكبار والرابعة الصغرى سبعة آلاف مثقالا كبارا يعقوبية (3)، عملها الصناع بين يدي أمير المؤمنين وحضوره.
ولما كملت سترت بالأغشية من شقاق الكتان لئلا ينالها الدنس من الأيدي والغبار، وحملت على العجل مجرورة حتى إلى الصومعة بالتكبير عليها والتهليل حتى وصلت، ورفعت بالهندسة حتى إلى أعلى صومعة الصومعة المذكورة ووضعت في العمود وحصلت فيه وحصنت بمحضر أمير المؤمنين أبي يوسف المنصور رضي الله عنه، وبمحضر ابنه وولي عهده أبي عبد الله السعيد الناصر لدين الله، وجميع بنيه وأشياخ الموحدين والقاضي وطلبة الحضر وأهل الوجاهة من الناس، وذلك في يوم الأربعاء عقب ربيع الآخر، بموافقة التاسع عشر من مارس العجمي، من عام أربعة وتسعين وخمسمائة، ثم كشفت عن أغشيتها فكادت تغشي الأبصار من تألقها بالذهب الخالص الإبريز وبشعاع رونقها.
رد: قصة بناء مسجد اشبيلية
صومعة الكتبية، ثم صومعة حسان غير المكتملة، ثم صومعة إشبيلية مع تعديلاتها النصرانية.
________________
هامش:
(1) يراجع إدراج سابق تحت عنوان: العالم في ساحة.
(2) تتكون الصوامع حسب الطراز المغربي من جزئين، أو من صومعتين؛ الأولى أطول وأعرض، والثانية فوق الأولى أقصر وأنحف، وهي التي تنصب فوقها التفافيح.
(3) قدر الدكتور عبد الهادي التازي محقق كتاب ( المن بالإمامة ) لابن صاحب الصلاة، وعنه نقلنا هذا النص وزن الذهب الذي طليت به التفافيح بنحو 29.5 كيلوغراما.
________________
هامش:
(1) يراجع إدراج سابق تحت عنوان: العالم في ساحة.
(2) تتكون الصوامع حسب الطراز المغربي من جزئين، أو من صومعتين؛ الأولى أطول وأعرض، والثانية فوق الأولى أقصر وأنحف، وهي التي تنصب فوقها التفافيح.
(3) قدر الدكتور عبد الهادي التازي محقق كتاب ( المن بالإمامة ) لابن صاحب الصلاة، وعنه نقلنا هذا النص وزن الذهب الذي طليت به التفافيح بنحو 29.5 كيلوغراما.
مواضيع مماثلة
» مدافع اشبيلية بويرتا في حالة حرجة للغاية
» فالنسيا يقيل المدرب فلوريس بعد الهزيمة أمام اشبيلية
» صور مسجد تحت الارض
» مسجد من الذهب
» مسجد على الماء
» فالنسيا يقيل المدرب فلوريس بعد الهزيمة أمام اشبيلية
» صور مسجد تحت الارض
» مسجد من الذهب
» مسجد على الماء
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى