شيخ الإسلام مصطفى صبري العثماني رحمه الله
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
شيخ الإسلام مصطفى صبري العثماني رحمه الله
حياته :
ولد مصطفى صبري في قرية (توقاد) بالأناضول في 12/3/1286هـ في أسرة محافظة على دينها ، محبة للعلم الشرعي ، يرنو سيدها إلى ولده مصطفى ، فيطالع فيه علامات النجابة والذكاء ، فيتطلع إلى أن يكون هذا الفتى عالماً كبيراً من علماء الإسلام.
تلقى الطفل علومه الأولية في قريته الصغيرة ، وحفظ القرآن الكريم في العاشرة من عمره ، ولفت ذكاؤه انتباه شيوخه الذين قالوا لأبيه أحمد أفندي : إن ابنك هذا ذو عقل نير ، وصاحب موهبة فذة ، فلا بد من أن ترسله إلى (قيصرية) . ولبى الولد نداء معلمي ولده ، وأرسله إلى مدينة (قيصرية) لمتابعة تعليمه ، وهي مدينة مشهور بعلمائها الكثر ، وهناك تعلم العلوم العربية ، والعلوم الشرعية ، كما تعلم المنطق وأصول المناظرة والوعظ.
ثم انتقل إلى الآستانة لاستكمال تعليمه في جامع السلطان محمد الفاتح ، وتلقى العلوم الشرعية والعربية على أيدي الشيخين العالمين ، محمد عاطف بك الإستانبولي ، وأحمد عاصم أفندي ، وأعجب الشيخان بهذا الشاب وذكائه الحاد ، وبجده ونشاطه ، وبجرأته الأدبية في طرح أفكاره ، وبلغ الأمر بالشيخ أحمد عاصم أفندي أن يزوجه ابنته (ألفية هانم) لما وجد فيه من مزايا لم يجدها مجتمعة في غيره من تلاميذه الكثر ، وذلك بعد نجاحه في امتحان التخرج ، وحصوله على إجازة التدريس في جامع محمد الفاتح ، عام 1307هـ.
وظائفه :
1- تم تعيين الشيخ مصطفى صبري مدرساً في جامع الفاتح ، بعيد تخرجه وحصوله على الإجازة في التدريس وهو في الثانية والعشرين من العمر ، وكان جامع الفاتح أكبر جامعة إسلامية في الآستانة آنذاك ، ومنصب التدريس فيه منصب مرموق يتطلع إليه العلماء من سائر أنحاء البلاد ، وقد فاز في الامتحان ، وكان الأول على ثلاثين عالماً من أصل ثلاثة مئة عالم تقدموا لهذه الوظيفة ، وكان أصغر الفائزين سناً.
كان الشيخ مصطفى من أنجح الأساتذة الشيوخ في التدريس فقد بهر تلاميذه بسعة اطلاعه ، وتبحره في شتى العلوم ، وبطريقته البارعة في التدريس ، فذاع صيته ، وأقبل عليه الطلاب والعلماء ، يحاورونه ، ويسألونه ، ويستفيدون من علمه وفهمه ، واستكتبته الصحف والمجلات ، وبرز للناس كاتباً بليغاً ، ومفكراً عميقاً ، ومحاوراً لامعاً ، ومجادلاً لا يغلب ، وقد منح الإجازة العلمية لأكثر من خمسين طالباً.
2- صار إمام الدرس السلطاني الخاص ، وهو الدرس الذي كان يحضره السلطان العثماني شخصياً في أحد جوامع إستانبول السلطانية ، ويحشر معه كبار الأعوان والعلماء ، ويلقي الدرس أعلم العلماء ، وقد عينه السلطان عبدالحميد في هذا المنصب لشدة إعجابه بعلمه ، سنة 1316هـ.
3- في عام 1317هـ عين في قصر يلدز (قصر السلطان عبدالحميد) بوظيفة مدير القلم السلطاني الخاص ، ونال في هذه المرحلة عدداً من الأوسمة والميداليات.
4- بعد ذلك بمدة قصيرة عين أميناً لمكتبة يلدز ، وقد وجد الشيخ مصطفى صبري ضالته في هذه المكتبة التي طالما بحث عنها ، فقد كانت غنية بالمخطوطات وكتب التراث الإسلامي ، فأكب عليها ، وأفاد منها علماً غزيراً جعله في عيون معاصريه بحراً لا ساحل له.
5- وفي عام 1322هـ استقال من وظائفه ، وفضل عليها العودة إلى التدريس ، وصار مدرساً لمادة التفسير في مدرسة الوعاظ ، وفي معهد العلوم الشرعية في دار الفنون ، ثم انتقل بعدها إلى مدرسة المتخصصين ، ليدرس فيها صحيح الإمام مسلم.
6- في عام 1323هـ عين عضواً في هيئة تدقيق المؤلفات الشرعية التابعة لدائرة المشيخة الإسلامية.
7- عين شيخاً للإسلام ومفتياً للدولة العثمانية مرتين.
8- عين عضواً في دار الحكمة الإسلامية.
9- عين مدرساً لمادة الحديث الشريف في دار الحديث.
10- عينه السلطان عضواً في مجلس الأعيان العثماني
ولد مصطفى صبري في قرية (توقاد) بالأناضول في 12/3/1286هـ في أسرة محافظة على دينها ، محبة للعلم الشرعي ، يرنو سيدها إلى ولده مصطفى ، فيطالع فيه علامات النجابة والذكاء ، فيتطلع إلى أن يكون هذا الفتى عالماً كبيراً من علماء الإسلام.
تلقى الطفل علومه الأولية في قريته الصغيرة ، وحفظ القرآن الكريم في العاشرة من عمره ، ولفت ذكاؤه انتباه شيوخه الذين قالوا لأبيه أحمد أفندي : إن ابنك هذا ذو عقل نير ، وصاحب موهبة فذة ، فلا بد من أن ترسله إلى (قيصرية) . ولبى الولد نداء معلمي ولده ، وأرسله إلى مدينة (قيصرية) لمتابعة تعليمه ، وهي مدينة مشهور بعلمائها الكثر ، وهناك تعلم العلوم العربية ، والعلوم الشرعية ، كما تعلم المنطق وأصول المناظرة والوعظ.
ثم انتقل إلى الآستانة لاستكمال تعليمه في جامع السلطان محمد الفاتح ، وتلقى العلوم الشرعية والعربية على أيدي الشيخين العالمين ، محمد عاطف بك الإستانبولي ، وأحمد عاصم أفندي ، وأعجب الشيخان بهذا الشاب وذكائه الحاد ، وبجده ونشاطه ، وبجرأته الأدبية في طرح أفكاره ، وبلغ الأمر بالشيخ أحمد عاصم أفندي أن يزوجه ابنته (ألفية هانم) لما وجد فيه من مزايا لم يجدها مجتمعة في غيره من تلاميذه الكثر ، وذلك بعد نجاحه في امتحان التخرج ، وحصوله على إجازة التدريس في جامع محمد الفاتح ، عام 1307هـ.
وظائفه :
1- تم تعيين الشيخ مصطفى صبري مدرساً في جامع الفاتح ، بعيد تخرجه وحصوله على الإجازة في التدريس وهو في الثانية والعشرين من العمر ، وكان جامع الفاتح أكبر جامعة إسلامية في الآستانة آنذاك ، ومنصب التدريس فيه منصب مرموق يتطلع إليه العلماء من سائر أنحاء البلاد ، وقد فاز في الامتحان ، وكان الأول على ثلاثين عالماً من أصل ثلاثة مئة عالم تقدموا لهذه الوظيفة ، وكان أصغر الفائزين سناً.
كان الشيخ مصطفى من أنجح الأساتذة الشيوخ في التدريس فقد بهر تلاميذه بسعة اطلاعه ، وتبحره في شتى العلوم ، وبطريقته البارعة في التدريس ، فذاع صيته ، وأقبل عليه الطلاب والعلماء ، يحاورونه ، ويسألونه ، ويستفيدون من علمه وفهمه ، واستكتبته الصحف والمجلات ، وبرز للناس كاتباً بليغاً ، ومفكراً عميقاً ، ومحاوراً لامعاً ، ومجادلاً لا يغلب ، وقد منح الإجازة العلمية لأكثر من خمسين طالباً.
2- صار إمام الدرس السلطاني الخاص ، وهو الدرس الذي كان يحضره السلطان العثماني شخصياً في أحد جوامع إستانبول السلطانية ، ويحشر معه كبار الأعوان والعلماء ، ويلقي الدرس أعلم العلماء ، وقد عينه السلطان عبدالحميد في هذا المنصب لشدة إعجابه بعلمه ، سنة 1316هـ.
3- في عام 1317هـ عين في قصر يلدز (قصر السلطان عبدالحميد) بوظيفة مدير القلم السلطاني الخاص ، ونال في هذه المرحلة عدداً من الأوسمة والميداليات.
4- بعد ذلك بمدة قصيرة عين أميناً لمكتبة يلدز ، وقد وجد الشيخ مصطفى صبري ضالته في هذه المكتبة التي طالما بحث عنها ، فقد كانت غنية بالمخطوطات وكتب التراث الإسلامي ، فأكب عليها ، وأفاد منها علماً غزيراً جعله في عيون معاصريه بحراً لا ساحل له.
5- وفي عام 1322هـ استقال من وظائفه ، وفضل عليها العودة إلى التدريس ، وصار مدرساً لمادة التفسير في مدرسة الوعاظ ، وفي معهد العلوم الشرعية في دار الفنون ، ثم انتقل بعدها إلى مدرسة المتخصصين ، ليدرس فيها صحيح الإمام مسلم.
6- في عام 1323هـ عين عضواً في هيئة تدقيق المؤلفات الشرعية التابعة لدائرة المشيخة الإسلامية.
7- عين شيخاً للإسلام ومفتياً للدولة العثمانية مرتين.
8- عين عضواً في دار الحكمة الإسلامية.
9- عين مدرساً لمادة الحديث الشريف في دار الحديث.
10- عينه السلطان عضواً في مجلس الأعيان العثماني
رد: شيخ الإسلام مصطفى صبري العثماني رحمه الله
مصطفى صبري سياسياً :
خاض الشيخ غمار المعترك السياسي في ظروف دقيقة وخطيرة كانت تمر فيها الدولة العثمانية ، ورأى الشيخ ضرورة اقتحام هذا الميدان الحيوي الذي تباعد عنه العلماء ، واقتحمه اللادينيون كجمعية الاتحاد والترقي الماسونية التي استولت على مقاليد الأمور ، وما تلا ذلك من خلع السلطان عبدالحميد الثاني ومن هزيمة الدولة في البلقان ، وفي طرابلس الغرب.
بدأ مصطفى صبري عمله السياسي بعد الإعلان عن إعادة العمل بالشروطية الثانية (الدستور) سنة 1326هـ وخاض الانتخابات النيابية ، ونجح في مجلس المبعوثان (البرلمان) عن دائرة سنجق توقاد ، سنة 1326 وشارك في أنشطة ذلك المجلس ، بل كان من أنشط النواب فيه : في حضور الاجتماعات ، والمشاركة ، في الندوات ودورات المجلس ، ومناقشاته الصاخبة ، واحتل مكاناً بارزاً في حزب الائتلاف والحرية الذي أسسه مع بعض إخوانه ، وصار نائب رئيس الحزب ، والناطق الرسمي باسمه ، ورئيس المعارضة البرلمانية ، ونظرا لقدرته الفائقة في الخطابة صار أبرز الدعاة للحزب ، المروجين لأفكاره ومبادئه ، وسياساته المضادة لسياسة الاتحاديين ، وبذلك كسب كثيراً من الجماهير ، وصار حزبه يشكل خطراً حقيقياً على حزب الاتحاديين.
كما انتخب رئيساً بالإجماع ، للجمعية العلمية الإسلامية التي أصدرت مجلة (بيان الحق) وأسندت رئاسة تحريرها للشيخ مصطفى سنوات طويلة.
كانت هذه المجلة من أهم المنابر السياسية المعارضة لسياسات جمعية الاتحاد والترقي وأفكارها ، وكان الشيخ مصطفى يصول فيها ويجول ، وهو يهاجم الاتحاديين ، ويفضح سوءاتهم ومخازيهم وصلاتهم المشبوهة باليهود.
ودعا هذا الحزب إلى اللامركزية في الولايات العثمانية ، فلقي ترحيباً من العرب بسبب كرههم للاتحاديين الداعين إلى سياسة التتريك ، واضطهاد الأجناس غير التركية ، من عرب ، وشركس ، وأكراد ، وروم ، وأرمن ، وسواهم ، فما كان من الاتحاديين إلا أن يعتقلوا ويلاحقوا أعضاءه ، ففر بعض أعضائه المؤسسين والفاعلين إلى خارج البلاد العثمانية عام 1913 ، وكان من جملة الهاربين الشيخ مصطفى صبري الذي غاب عن الساحة السياسية إلى نهاية الحرب الكونية الأولى ، وهزيمة الدولة ، وسقوط الاتحاديين ، ذهب خلالها إلى مصر ، وأقام فيها مدة من الزمن ، ثم ارتحل إلى أوروبا ، وتنقل في عدد من دولها ، وعندما دخلت الجيوش العثمانية مدينة بوخارست ، أثناء الحرب العالمية الأولى ، وكان يقيم فيها ، قبضوا عليه ، وأعادوه إلى الآستانة ، وظل معتقلاً حتى انتهت الحرب بهزيمة الاتحاديين ، وفرار زعمائهم ، فخرج من المعتقل ، وعاد إلى نشاطه السياسي ، وعين عضواً في دار الحكمة (الإسلامية) وهي أكبر مجمع علمي إسلامي في الدولة العثمانية ، وتضم كبار العلماء والمفكرين.
عندما أعيد تشكيل حزب الائتلاف والحرية من جديد ، وبعد توليه السلطة في البلاد، عام1337هـ عين مصطفى أفندي صبري رئيساً لمجلس المبعوثان (النواب) ثم تولى منصب شيخ الإسلام ، ومفتي الدولة العثمانية ، تولى هذا المنصب ومرتين ، في أواخر سنوات الدولة العثمانية ، في وقت عصيب جداً . وفي أثناء هذه المشيخة، تولى الشيخ مصطفى صبري منصب الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) بالوكالة ، طوال مدة سفر الصدر الأعظم (داماد فريد باشا) إلى فرنسا ، لحضور مفاوضات مؤتمر الصلح في فرساي قرب باريس.
وبعد عودة الصدر الأعظم من باريس واستقالته ، أعفي الشيخ مصطفى من منصبه شيخاً للإسلام ، ومفتياً للدولة العثمانية ، وعينه السلطان محمد وحيد الدين عضواً في مجلس الأعيان العثماني ، واستمر في هذا المجلس حتى إلغاء السلطنة العثمانية.
مغادرته وطنه :
تفاقمت الأمور في الدولة العثمانية ، وتلاحقت الأحداث العنيفة المنبئة بقرب زوال الدولة فقرر الشيخ الرحيل عن الوطن مع أسرته عام 1923 قبل استيلاء الكماليين عليها ، وذهب إلى مصر ، ثم غادرها إلى الحجاز ليكون في ضيافة الملك حسين ، ولكنه لم يلبث أن رجع إلى مصر ، حيث احتدم النقاش بينه وبين المتعصبين لمصطفى كمال ، فغادرها إلى لبنان ، وطبع فيه كتابه (النكير على منكري النعمة) ثم سافر إلى رومانيا ، ثم اليونان ، وأصدر فيها مجلته (يارين) ومعناها (الغد) مدة خمس سنوات ، ثم غادر اليونان إلى مصر ، بعد أن طالب الكماليون اليونان بتسليمه ، واستقر فيها ، وكانت الصحافة المصرية قد تحدثت زمناً طويلاً عن التطور الذي طرأ على الخلافة بتجريدها من السلطة ، واحتدمت المعركة حين قدم إليها ، وأراد أن ينبه المصريين إلى ما يضمره الكماليون للإسلام وشريعته وأهله ، وما ينطوون عليه من خبث النية وفساد الدين ، وأن الخلافة التي ابتدعوها مجردة عن السلطة ليست من الإسلام في شيء ، وأن فصل الدين عن الدولة ليس إلا وسيلة للتخلص من سلطانه ، والتفلت من شريعته وقيوده ، وتجاوز حدوده ، وظن الناس وقتذاك ، أن الشيخ مدفوع في مهاجمته للكماليين ببغضه لهم ، بعد أن ألجأوه وألجأوا الخليفة إلى الفرار ، فهاجموه هجوماً عنيفاً تجاوز في كثير من الأحيان حدود اللياقة والأدب.
ونشر مصطفى صبري مقالاً يدافع فيه عن نفسه ، بعد أن نشرت الصحف نبأ وصوله وسوء استقبال الناس له في عبارات مملوءة بالغمز واللمز.
وكانت الصحف على اختلاف ألوانها ونزعاتها وقتذاك ، تكيل للكماليين الثناء بلا حدود ، ولذلك بدأ الشيخ مقاله مظهراً العجب من أمر الناس الذين أصبح قائل الحق بينهم لا يقوله إلا همساً ، بينما يجهر الفجرة بمعصيتهم ، وينادون بالفاسد المستحيل ، فيجدون آذاناً صاغية ، واستمر في صراعه مع الصحافة إلى أن توفي في القاهرة في 7/7/1373هـ ودفن فيها ، وكان آخر شيوخ الإسلام وفاة.
خاض الشيخ غمار المعترك السياسي في ظروف دقيقة وخطيرة كانت تمر فيها الدولة العثمانية ، ورأى الشيخ ضرورة اقتحام هذا الميدان الحيوي الذي تباعد عنه العلماء ، واقتحمه اللادينيون كجمعية الاتحاد والترقي الماسونية التي استولت على مقاليد الأمور ، وما تلا ذلك من خلع السلطان عبدالحميد الثاني ومن هزيمة الدولة في البلقان ، وفي طرابلس الغرب.
بدأ مصطفى صبري عمله السياسي بعد الإعلان عن إعادة العمل بالشروطية الثانية (الدستور) سنة 1326هـ وخاض الانتخابات النيابية ، ونجح في مجلس المبعوثان (البرلمان) عن دائرة سنجق توقاد ، سنة 1326 وشارك في أنشطة ذلك المجلس ، بل كان من أنشط النواب فيه : في حضور الاجتماعات ، والمشاركة ، في الندوات ودورات المجلس ، ومناقشاته الصاخبة ، واحتل مكاناً بارزاً في حزب الائتلاف والحرية الذي أسسه مع بعض إخوانه ، وصار نائب رئيس الحزب ، والناطق الرسمي باسمه ، ورئيس المعارضة البرلمانية ، ونظرا لقدرته الفائقة في الخطابة صار أبرز الدعاة للحزب ، المروجين لأفكاره ومبادئه ، وسياساته المضادة لسياسة الاتحاديين ، وبذلك كسب كثيراً من الجماهير ، وصار حزبه يشكل خطراً حقيقياً على حزب الاتحاديين.
كما انتخب رئيساً بالإجماع ، للجمعية العلمية الإسلامية التي أصدرت مجلة (بيان الحق) وأسندت رئاسة تحريرها للشيخ مصطفى سنوات طويلة.
كانت هذه المجلة من أهم المنابر السياسية المعارضة لسياسات جمعية الاتحاد والترقي وأفكارها ، وكان الشيخ مصطفى يصول فيها ويجول ، وهو يهاجم الاتحاديين ، ويفضح سوءاتهم ومخازيهم وصلاتهم المشبوهة باليهود.
ودعا هذا الحزب إلى اللامركزية في الولايات العثمانية ، فلقي ترحيباً من العرب بسبب كرههم للاتحاديين الداعين إلى سياسة التتريك ، واضطهاد الأجناس غير التركية ، من عرب ، وشركس ، وأكراد ، وروم ، وأرمن ، وسواهم ، فما كان من الاتحاديين إلا أن يعتقلوا ويلاحقوا أعضاءه ، ففر بعض أعضائه المؤسسين والفاعلين إلى خارج البلاد العثمانية عام 1913 ، وكان من جملة الهاربين الشيخ مصطفى صبري الذي غاب عن الساحة السياسية إلى نهاية الحرب الكونية الأولى ، وهزيمة الدولة ، وسقوط الاتحاديين ، ذهب خلالها إلى مصر ، وأقام فيها مدة من الزمن ، ثم ارتحل إلى أوروبا ، وتنقل في عدد من دولها ، وعندما دخلت الجيوش العثمانية مدينة بوخارست ، أثناء الحرب العالمية الأولى ، وكان يقيم فيها ، قبضوا عليه ، وأعادوه إلى الآستانة ، وظل معتقلاً حتى انتهت الحرب بهزيمة الاتحاديين ، وفرار زعمائهم ، فخرج من المعتقل ، وعاد إلى نشاطه السياسي ، وعين عضواً في دار الحكمة (الإسلامية) وهي أكبر مجمع علمي إسلامي في الدولة العثمانية ، وتضم كبار العلماء والمفكرين.
عندما أعيد تشكيل حزب الائتلاف والحرية من جديد ، وبعد توليه السلطة في البلاد، عام1337هـ عين مصطفى أفندي صبري رئيساً لمجلس المبعوثان (النواب) ثم تولى منصب شيخ الإسلام ، ومفتي الدولة العثمانية ، تولى هذا المنصب ومرتين ، في أواخر سنوات الدولة العثمانية ، في وقت عصيب جداً . وفي أثناء هذه المشيخة، تولى الشيخ مصطفى صبري منصب الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) بالوكالة ، طوال مدة سفر الصدر الأعظم (داماد فريد باشا) إلى فرنسا ، لحضور مفاوضات مؤتمر الصلح في فرساي قرب باريس.
وبعد عودة الصدر الأعظم من باريس واستقالته ، أعفي الشيخ مصطفى من منصبه شيخاً للإسلام ، ومفتياً للدولة العثمانية ، وعينه السلطان محمد وحيد الدين عضواً في مجلس الأعيان العثماني ، واستمر في هذا المجلس حتى إلغاء السلطنة العثمانية.
مغادرته وطنه :
تفاقمت الأمور في الدولة العثمانية ، وتلاحقت الأحداث العنيفة المنبئة بقرب زوال الدولة فقرر الشيخ الرحيل عن الوطن مع أسرته عام 1923 قبل استيلاء الكماليين عليها ، وذهب إلى مصر ، ثم غادرها إلى الحجاز ليكون في ضيافة الملك حسين ، ولكنه لم يلبث أن رجع إلى مصر ، حيث احتدم النقاش بينه وبين المتعصبين لمصطفى كمال ، فغادرها إلى لبنان ، وطبع فيه كتابه (النكير على منكري النعمة) ثم سافر إلى رومانيا ، ثم اليونان ، وأصدر فيها مجلته (يارين) ومعناها (الغد) مدة خمس سنوات ، ثم غادر اليونان إلى مصر ، بعد أن طالب الكماليون اليونان بتسليمه ، واستقر فيها ، وكانت الصحافة المصرية قد تحدثت زمناً طويلاً عن التطور الذي طرأ على الخلافة بتجريدها من السلطة ، واحتدمت المعركة حين قدم إليها ، وأراد أن ينبه المصريين إلى ما يضمره الكماليون للإسلام وشريعته وأهله ، وما ينطوون عليه من خبث النية وفساد الدين ، وأن الخلافة التي ابتدعوها مجردة عن السلطة ليست من الإسلام في شيء ، وأن فصل الدين عن الدولة ليس إلا وسيلة للتخلص من سلطانه ، والتفلت من شريعته وقيوده ، وتجاوز حدوده ، وظن الناس وقتذاك ، أن الشيخ مدفوع في مهاجمته للكماليين ببغضه لهم ، بعد أن ألجأوه وألجأوا الخليفة إلى الفرار ، فهاجموه هجوماً عنيفاً تجاوز في كثير من الأحيان حدود اللياقة والأدب.
ونشر مصطفى صبري مقالاً يدافع فيه عن نفسه ، بعد أن نشرت الصحف نبأ وصوله وسوء استقبال الناس له في عبارات مملوءة بالغمز واللمز.
وكانت الصحف على اختلاف ألوانها ونزعاتها وقتذاك ، تكيل للكماليين الثناء بلا حدود ، ولذلك بدأ الشيخ مقاله مظهراً العجب من أمر الناس الذين أصبح قائل الحق بينهم لا يقوله إلا همساً ، بينما يجهر الفجرة بمعصيتهم ، وينادون بالفاسد المستحيل ، فيجدون آذاناً صاغية ، واستمر في صراعه مع الصحافة إلى أن توفي في القاهرة في 7/7/1373هـ ودفن فيها ، وكان آخر شيوخ الإسلام وفاة.
رد: شيخ الإسلام مصطفى صبري العثماني رحمه الله
مصطفى صبري مفكراً :
أيقن الشيخ مصطفى صبري أن أخطر ما تتعرض له الأمة من أخطار ، وهي كثيرة جداً ، خطر الغزو الثقافي الذي تبدى في الهزيمة النفسية للمثقفين المسلمين عامة والعرب خاصة ، أمام الثقافة الغربية التي ملكت عليهم أقطار عقولهم ، وأحلوها من قلوبهم ونفوسهم محلاً ما كان ينبغي لهم أن يحلوها فيه.
ظهر له هذا في المقالات التي تنشر في الصحف المصرية ، وما تطرحه المطابع من دوريات وكتب ، فتصدى لها بالنقد ، وألف العديد من الكتب التي ترد عليها وبذلك صار لكتبه – إلى جانب قيمتها الفكرية والإسلامية – قيمة تاريخية ، إذ أصبحت سجلاً صادقاً للحياة الفكرية المعاصرة ، وزاد من قيمتها من هذه الناحية ، أن المؤلف قد جرى في كل كتبه ، على نقل النصوص التي يعارضها كاملة ، قبل أن يتولى الرد عليها.
كانت المهمة الأولى للشيخ ، مقاومة الدعوة إلى الإلحاد ، ودعوة المسلمين إلى التمسك بدينهم ، وشريعتهم ، والإيمان بالكتاب كله ، دون تفريق بين دقيق وجليل ، ورفض كل دعوة إلى التأويل وإلى تطوير الإسلام ، تحت ستار ملاءمة ظروف الحال ، ومسايرة ركب الحضارة ، والتطور مع الزمن ، ظهر هذا في مؤلفاته.
ففي كتابه ( النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة ) ، بحث مسألة الخلافة من الناحية السياسية ، وهاجم الكماليين ، ونفر العالم الإسلامي عامة ومصر خاصة منهم ، وحذر من شرورهم ، ونبه المسلمين إلى سوء نياتهم في التفريق بين الخلافة والسلطنة ، وبين دوافع هذا التفريق ، وأوضح الآثار المترتبة عليها.
وتحدث عن فساد دين الكماليين ، وعن تعصبهم للجنس التركي ، ومحاربتهم للعصبية الإسلامية ، واستخفافهم بالقرآن ، وبتعاليم الإسلام ، وأنها غير صالحة للقرن العشرين ، وقدم نماذج من كتابات كتابهم الداعين إلى التخلص من سلطان الدين ، وإبعاده عن سياسة الدولة ، اقتداء بالأوربيين ، وذكر كلمة لأحد غلاة الكماليين من الترك في أحد كتبه : ( إنا عزمنا على أن نأخذ كل ما عند الغربيين ، حتى الالتهابات التي في رئاتهم ، والنجاسات التي في أمعائهم ) ، وقدم المؤلف أمثلة بالقوانين التي خالفوا فيها الشرع.
وأن الكماليين خرجوا من عباءة الاتحاديين الملاحدة ، لا فرق بينهم ، فهم مثلهم في صلتهم باليهود ، وتواطئهم مع الإنكليز ، ورد على الذين نصحوه بعدم مهاجمة مصطفى كمال أتاتورك ، لتعلق المسلمين به ، وقال لهؤلاء : ( ليست من وظيفة العلماء محاباة العامة ، ومجاراة الدهماء ، بل وظيفتهم إطلاع الناس على حقائق الأمور ، ولا بد من بيان عصبية الكماليين لقوميتهم التركية وتعصبهم لطورانيتهم إلى حد العداوة للإسلام ، ومهاجمته باعتباره دينا عربياً ، وإحيائهم وإحلالهم المشاعر القومية محل المشاعر الإسلامية).
وقال : ( إن الكماليين والاتحاديين حزب واحد ، ولعنة الله على الاتحاديين الذين أدخلوا السياسة في الجيش ، فسنوا بهذا سنة سيئة صارت آفة على الدولة ، وصار الجيش آفة على الدولة ، وقادوا الإمبراطورية إلى حربين ضيعوا فيهما الخلافة والدولة والأمة )، وقال : ( ولن تجد ملة أو قوماً خارج بلادنا وداخلها دامت مودة الاتحاديين والكماليين معهم إلا اليهود) ؛ ولهذا لم يسلم جنس من عدوانهم في تركيا، لا الألبان ، ولا العرب ، ولا الأكراد ، ولا الأرمن ، ولا الشراكسة ، ولا الروم.. ما سلم من عدوانهم إلا اليهود.
وفي كتابه ( مسألة ترجمة القرآن ) ، ناقش شيخ الأزهر الشيخ محمد مصطفى المراغي في مقاله (بحث في ترجمة القرآن وأحكامها) الذي كان فيه صدى لما فعله الكماليون في تركيا ، الذين أمروا بترجمة القرآن إلى اللغة التركية ، وحملوا المسلمين على الصلاة بها ، بدلاً من لغة القرآن الكريم رد على المراغي الذي جوز الصلاة بالقرآن المترجم إلى التركية ، كما رد على محمد فريد وجدي الذي أيد صنيع الكماليين . وقد نقل الشيخ صبري نقولاً كثيرة من مقال المراغي ، ومقالي وجدي في معرض الرد عليهما ، ناقشهما ، وبين فساد آرائهما من الناحية الشرعية بأدلة كثيرة قوية ، ونبه إلى ما سوف ينجم عنها من أخطار ، كما رد على ما أباحه المراغي من جواز الاجتهاد في الفقه استناداً إلى الترجمة.
وفي كتابه ( موقف البشر تحت سلطان القدر ) رد على من زعم أن تأخر المسلمين وتواكلهم وانحطاطهم وتخلفهم إنما يرجع إلى إيمانهم بعقيدة القضاء والقدر ، وفند آراءهم ومزاعمهم بحجج قوية.
وفي كتابه ( قولي في المرأة ) ومقارنته بأقوال مقلدة الغرب سدد طعناته عبر ردود قوية ومفحمة لأصحاب الدعوات المشبوهة التي جرت الناس إلى مستنقعات التهتك في التبرج ، والابتذال على الشواطئ والاختلاط الداعر . وهو رد على اقتراح اللجنة التي تقدمت إلى مجلس النواب المصري ، مطالبة بتعديل قانون الأحوال الشخصية ، والأخذ بمبدأ تحرير المرأة ، وتقييد تعدد الزوجات ، وتقييد الطلاق ، ومساواة المرأة بالرجل في الميراث ، وما إلى ذلك من أمور أخذتها اللجنة والدعاة إلى التغريب من أوروبا.
وفي كتابه ( القول الفصل بين الذين يؤمنون بالغيب والذين لا يؤمنون ) رد على الماديين الملاحدة الذي يشككون في وجود الله تعالى ، وعلى الذين ينكرون الغيب ، والنبوة والمعجزات ، وعلى العلماء الذي يؤولون المعجزات تأويلات تساير روح العصر المادي ، حتى صار إيمانهم بالعلم المادي فوق إيمانهم بكتاب الله وسنة رسوله.
ومن رأي الشيخ ، أن أخطر ما ابتلى به المدافعون عن الإسلام من الكتاب الذين تثقفوا بالثقافات الحديثة المغيبة عن الدين ، لأن المستشرقين قد نجحوا في استدراجهم إلى أن ينزلوا النبي الكريم منزلة العباقرة والزعماء حتى إنهم حين يدافعون عما يوجه إليه من افتراءات يدافعون عنه من هذه الزاوية ، وعلى هذا الأساس ، ويفعلون ذلك باسم العلم.. والواقع أن ذلك نزول بالإسلام إلى أن يصبح مذهباً فكرياً أو سياسياً أو فلسفياً ككل الآراء ، ونفي للصفة الأساسية في كل رسالة سماوية ، وهي أنها وحي من عند الله سبحانه وتعالى.
وأما كتابه البديع ( موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين ، وعباده المرسلين ) ، وهو آخر ما ظهر للمؤلف من كتب في حياته ، وطبعه عام 1950 في أربعة مجلدات كبيرة ، فقد احتوى خلاصة آراء الشيخ في السياسة ، والاجتماع ، والفلسفة ، والفقه ، كما احتوى معاركه الفكرية مع عدد من أعلام عصره ، كالمراغي ، ووجدي ، والعقاد ، وهيكل وسواهم.
وذكر المؤلف أنه ألف هذا الكتاب ، بعد ما رآه في تركيا من انصراف المتعلمين عن الدين ، وما يراه في مصر من مثل ذلك الانصراف.
أيقن الشيخ مصطفى صبري أن أخطر ما تتعرض له الأمة من أخطار ، وهي كثيرة جداً ، خطر الغزو الثقافي الذي تبدى في الهزيمة النفسية للمثقفين المسلمين عامة والعرب خاصة ، أمام الثقافة الغربية التي ملكت عليهم أقطار عقولهم ، وأحلوها من قلوبهم ونفوسهم محلاً ما كان ينبغي لهم أن يحلوها فيه.
ظهر له هذا في المقالات التي تنشر في الصحف المصرية ، وما تطرحه المطابع من دوريات وكتب ، فتصدى لها بالنقد ، وألف العديد من الكتب التي ترد عليها وبذلك صار لكتبه – إلى جانب قيمتها الفكرية والإسلامية – قيمة تاريخية ، إذ أصبحت سجلاً صادقاً للحياة الفكرية المعاصرة ، وزاد من قيمتها من هذه الناحية ، أن المؤلف قد جرى في كل كتبه ، على نقل النصوص التي يعارضها كاملة ، قبل أن يتولى الرد عليها.
كانت المهمة الأولى للشيخ ، مقاومة الدعوة إلى الإلحاد ، ودعوة المسلمين إلى التمسك بدينهم ، وشريعتهم ، والإيمان بالكتاب كله ، دون تفريق بين دقيق وجليل ، ورفض كل دعوة إلى التأويل وإلى تطوير الإسلام ، تحت ستار ملاءمة ظروف الحال ، ومسايرة ركب الحضارة ، والتطور مع الزمن ، ظهر هذا في مؤلفاته.
ففي كتابه ( النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة ) ، بحث مسألة الخلافة من الناحية السياسية ، وهاجم الكماليين ، ونفر العالم الإسلامي عامة ومصر خاصة منهم ، وحذر من شرورهم ، ونبه المسلمين إلى سوء نياتهم في التفريق بين الخلافة والسلطنة ، وبين دوافع هذا التفريق ، وأوضح الآثار المترتبة عليها.
وتحدث عن فساد دين الكماليين ، وعن تعصبهم للجنس التركي ، ومحاربتهم للعصبية الإسلامية ، واستخفافهم بالقرآن ، وبتعاليم الإسلام ، وأنها غير صالحة للقرن العشرين ، وقدم نماذج من كتابات كتابهم الداعين إلى التخلص من سلطان الدين ، وإبعاده عن سياسة الدولة ، اقتداء بالأوربيين ، وذكر كلمة لأحد غلاة الكماليين من الترك في أحد كتبه : ( إنا عزمنا على أن نأخذ كل ما عند الغربيين ، حتى الالتهابات التي في رئاتهم ، والنجاسات التي في أمعائهم ) ، وقدم المؤلف أمثلة بالقوانين التي خالفوا فيها الشرع.
وأن الكماليين خرجوا من عباءة الاتحاديين الملاحدة ، لا فرق بينهم ، فهم مثلهم في صلتهم باليهود ، وتواطئهم مع الإنكليز ، ورد على الذين نصحوه بعدم مهاجمة مصطفى كمال أتاتورك ، لتعلق المسلمين به ، وقال لهؤلاء : ( ليست من وظيفة العلماء محاباة العامة ، ومجاراة الدهماء ، بل وظيفتهم إطلاع الناس على حقائق الأمور ، ولا بد من بيان عصبية الكماليين لقوميتهم التركية وتعصبهم لطورانيتهم إلى حد العداوة للإسلام ، ومهاجمته باعتباره دينا عربياً ، وإحيائهم وإحلالهم المشاعر القومية محل المشاعر الإسلامية).
وقال : ( إن الكماليين والاتحاديين حزب واحد ، ولعنة الله على الاتحاديين الذين أدخلوا السياسة في الجيش ، فسنوا بهذا سنة سيئة صارت آفة على الدولة ، وصار الجيش آفة على الدولة ، وقادوا الإمبراطورية إلى حربين ضيعوا فيهما الخلافة والدولة والأمة )، وقال : ( ولن تجد ملة أو قوماً خارج بلادنا وداخلها دامت مودة الاتحاديين والكماليين معهم إلا اليهود) ؛ ولهذا لم يسلم جنس من عدوانهم في تركيا، لا الألبان ، ولا العرب ، ولا الأكراد ، ولا الأرمن ، ولا الشراكسة ، ولا الروم.. ما سلم من عدوانهم إلا اليهود.
وفي كتابه ( مسألة ترجمة القرآن ) ، ناقش شيخ الأزهر الشيخ محمد مصطفى المراغي في مقاله (بحث في ترجمة القرآن وأحكامها) الذي كان فيه صدى لما فعله الكماليون في تركيا ، الذين أمروا بترجمة القرآن إلى اللغة التركية ، وحملوا المسلمين على الصلاة بها ، بدلاً من لغة القرآن الكريم رد على المراغي الذي جوز الصلاة بالقرآن المترجم إلى التركية ، كما رد على محمد فريد وجدي الذي أيد صنيع الكماليين . وقد نقل الشيخ صبري نقولاً كثيرة من مقال المراغي ، ومقالي وجدي في معرض الرد عليهما ، ناقشهما ، وبين فساد آرائهما من الناحية الشرعية بأدلة كثيرة قوية ، ونبه إلى ما سوف ينجم عنها من أخطار ، كما رد على ما أباحه المراغي من جواز الاجتهاد في الفقه استناداً إلى الترجمة.
وفي كتابه ( موقف البشر تحت سلطان القدر ) رد على من زعم أن تأخر المسلمين وتواكلهم وانحطاطهم وتخلفهم إنما يرجع إلى إيمانهم بعقيدة القضاء والقدر ، وفند آراءهم ومزاعمهم بحجج قوية.
وفي كتابه ( قولي في المرأة ) ومقارنته بأقوال مقلدة الغرب سدد طعناته عبر ردود قوية ومفحمة لأصحاب الدعوات المشبوهة التي جرت الناس إلى مستنقعات التهتك في التبرج ، والابتذال على الشواطئ والاختلاط الداعر . وهو رد على اقتراح اللجنة التي تقدمت إلى مجلس النواب المصري ، مطالبة بتعديل قانون الأحوال الشخصية ، والأخذ بمبدأ تحرير المرأة ، وتقييد تعدد الزوجات ، وتقييد الطلاق ، ومساواة المرأة بالرجل في الميراث ، وما إلى ذلك من أمور أخذتها اللجنة والدعاة إلى التغريب من أوروبا.
وفي كتابه ( القول الفصل بين الذين يؤمنون بالغيب والذين لا يؤمنون ) رد على الماديين الملاحدة الذي يشككون في وجود الله تعالى ، وعلى الذين ينكرون الغيب ، والنبوة والمعجزات ، وعلى العلماء الذي يؤولون المعجزات تأويلات تساير روح العصر المادي ، حتى صار إيمانهم بالعلم المادي فوق إيمانهم بكتاب الله وسنة رسوله.
ومن رأي الشيخ ، أن أخطر ما ابتلى به المدافعون عن الإسلام من الكتاب الذين تثقفوا بالثقافات الحديثة المغيبة عن الدين ، لأن المستشرقين قد نجحوا في استدراجهم إلى أن ينزلوا النبي الكريم منزلة العباقرة والزعماء حتى إنهم حين يدافعون عما يوجه إليه من افتراءات يدافعون عنه من هذه الزاوية ، وعلى هذا الأساس ، ويفعلون ذلك باسم العلم.. والواقع أن ذلك نزول بالإسلام إلى أن يصبح مذهباً فكرياً أو سياسياً أو فلسفياً ككل الآراء ، ونفي للصفة الأساسية في كل رسالة سماوية ، وهي أنها وحي من عند الله سبحانه وتعالى.
وأما كتابه البديع ( موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين ، وعباده المرسلين ) ، وهو آخر ما ظهر للمؤلف من كتب في حياته ، وطبعه عام 1950 في أربعة مجلدات كبيرة ، فقد احتوى خلاصة آراء الشيخ في السياسة ، والاجتماع ، والفلسفة ، والفقه ، كما احتوى معاركه الفكرية مع عدد من أعلام عصره ، كالمراغي ، ووجدي ، والعقاد ، وهيكل وسواهم.
وذكر المؤلف أنه ألف هذا الكتاب ، بعد ما رآه في تركيا من انصراف المتعلمين عن الدين ، وما يراه في مصر من مثل ذلك الانصراف.
رد: شيخ الإسلام مصطفى صبري العثماني رحمه الله
قال في مقدمته ، مخاطباً روح أبيه : ( لو رأيتني وأنا أكافح سياسة الظلم والهدم والفسوق والمروق في مجلس النواب ، وفي الصحف والمجلات ، قبل عهد المشيخة والنيابة وبعدهما ، وأدافع عن دين الأمة وأخلاقها وآدابها وسائر مشخصاتها ، وأقضي ثلث قرن في حياة الكفاح ، معانياً في خلاله ألوان الشدائد والمصائب ، ومغادراً المال والوطن مرتين في سبيل عدم مغادرة المبادئ مع اعتقال فيما وقع بين الهجرتين ، غير محس يوماً بالندامة على ما ضحيت به في هذه السبيل من حظوظ الدنيا ومرافقها – لأوليتنني إعجابك ورضاك).
وكان الشيخ فيه عنف على من رأى فيهم خصوماً في الفكر والتوجه ، ولولا تلك الحدة والشدة لكان كاتباً فريداً في بابه ، ولكنه كان سيفقد أهم ما تميز به قلم الشيخ الذي لقي الألاقي في عمره المديد.
فقد تصدى للمستغربين ، ورد على ما يثيرونه من شبهات حول الإسلام والداعين إليه ، من مثل قولهم : ( كيف يمكن أن تكون الحكومة حرة ومستقلة إذا قيدت نفسها بالدين ؟)
ورد على زعم المستغربين : أن العلماء المعممين ليسوا من ذوي الاختصاص ولا يعتد بهم وبعلمهم الشرعي ، ودعا العلماء إلى الاشتغال بالسياسة وقال : "فالعلماء المعتزلون عن السياسة ، كأنهم تواطأوا على أن يكون الأمر بأيديهم - بأيدي السياسيين- ويكون لهم – للعلماء- منهم رواتب الإنعام والاحترام ، كالخليفة المتنازل عن السلطة وعن كل نفوذ سياسي".
مجلة المنار ، العدد 79 ، صفر 1425هـ
إضاءة: أمة لا تعرف تاريخها فلن تصوغ مستقبلها
وكان الشيخ فيه عنف على من رأى فيهم خصوماً في الفكر والتوجه ، ولولا تلك الحدة والشدة لكان كاتباً فريداً في بابه ، ولكنه كان سيفقد أهم ما تميز به قلم الشيخ الذي لقي الألاقي في عمره المديد.
فقد تصدى للمستغربين ، ورد على ما يثيرونه من شبهات حول الإسلام والداعين إليه ، من مثل قولهم : ( كيف يمكن أن تكون الحكومة حرة ومستقلة إذا قيدت نفسها بالدين ؟)
ورد على زعم المستغربين : أن العلماء المعممين ليسوا من ذوي الاختصاص ولا يعتد بهم وبعلمهم الشرعي ، ودعا العلماء إلى الاشتغال بالسياسة وقال : "فالعلماء المعتزلون عن السياسة ، كأنهم تواطأوا على أن يكون الأمر بأيديهم - بأيدي السياسيين- ويكون لهم – للعلماء- منهم رواتب الإنعام والاحترام ، كالخليفة المتنازل عن السلطة وعن كل نفوذ سياسي".
مجلة المنار ، العدد 79 ، صفر 1425هـ
إضاءة: أمة لا تعرف تاريخها فلن تصوغ مستقبلها
محمد م. الأرناؤوط
يعتبر شيخ الإسلام مصطفى صبري (1869-1954م) من الشخصيات المعروفة في العالم الإسلامي خلال النصف الأول للقرن العشرين، وذلك بسبب الظروف التي واكبت بروزه في أواخر الدولة العثمانية وتعيينه في منصب "شيخ الإسلام" ومواقفه من الاحتلال الأجنبي لأسطنبول ومعارضته العنيفة للمقاومة المسلحة التي قادها مصطفى كمال ثم لإصلاحاته اللاحقة في تركيا بعد أن ألغى السلطنة (1922) ثم الخلافة (1924).
وقد اضطر الشيخ صبري إلى مغادرة تركيا في أواخر 1922 واللجوء إلى مصر ومنها إلى الحجاز ومصر ولبنان، إلى أن عاد في 1929 واستقر في مصر حتى وفاته في 1954م. وقد جاء الشيخ صبري إلى مصر في وقت كانت النخبة المصرية تنقسم بين مؤيد ومعارض لمصطفى كمال وإصلاحاته، ولذلك فقد ساهم بمقالاته وكتبه في تعميق هذا الفرز بين الطرفين.
وحول هذه الشخصية الإشكالية صدر مؤخراً في دمشق ضمن سلسلة "أعلام المسلمين" كتاب جديد بعنوان "مصطفى صبري المفكر والعالم الإسلامي وشيخ الإسلام في الدولة العثمانية سابقاً" للدكتور مفرج بن سليمان القوسي (دمشق 2006). وفي مقدمة الكتاب يشير المؤلف إلى أنه رسالة ماجستير في الأصل، وأنه عانى في جمع المادة نظراً لأنه لا توجد أية دراسة عن هذه الشخصية في اللغة العربية.
وفي الحقيقة لدينا كتاب آخر عنه صدر قبل عشر سنوات (القاهرة 1996) بعنوان: "شيخ الإسلام مصطفى صبري" للشيخ توفيق إسلام يحيى الكوسوفي. وكان هذا الشيخ الجليل، الذي جاء من كوسوفو إلى القاهرة للدراسة في الأزهر خلال 1935 وبقي في مصر بعد أن حصل على الجنسية المصرية، قد أهداني نسخة من كتابه خلال إحدى زياراتي للقاهرة وعرفت منه آنذاك أنه كان على علاقة شخصية قوية مع الشيخ مصطفى صبري.
وهكذا يمكن القول أن الكتاب الأول يعتمد كثيراً على الذكريات للعلاقة الحميمة التي ربطت بين الشخصيتين، والتي كانت بطبيعة الحال أقرب إلى علاقة التلميذ بالمعلم، والتي توطدت أكثر بسبب مشاعر الغربة المشتركة، حيث أن كلاً منهما كان محروماً من العيش في وطنه. فقد كانت الحكومة التركية قد وضعت اسم الشيخ صبري ضمن قائمة الـ150 شخصية التي حرمت من العودة إلى تركيا وجردت من الجنسية التركية، كما أن الشيخ توفيق لم يشأ أن يعود إلى وطنه (كوسوفو) بعد أن فصل عن ألبانيا وضم إلى يوغسلافيا ثانية (1945) بعد تسلم الحزب الشيوعي للحكم هناك.
يعتبر شيخ الإسلام مصطفى صبري (1869-1954م) من الشخصيات المعروفة في العالم الإسلامي خلال النصف الأول للقرن العشرين، وذلك بسبب الظروف التي واكبت بروزه في أواخر الدولة العثمانية وتعيينه في منصب "شيخ الإسلام" ومواقفه من الاحتلال الأجنبي لأسطنبول ومعارضته العنيفة للمقاومة المسلحة التي قادها مصطفى كمال ثم لإصلاحاته اللاحقة في تركيا بعد أن ألغى السلطنة (1922) ثم الخلافة (1924).
وقد اضطر الشيخ صبري إلى مغادرة تركيا في أواخر 1922 واللجوء إلى مصر ومنها إلى الحجاز ومصر ولبنان، إلى أن عاد في 1929 واستقر في مصر حتى وفاته في 1954م. وقد جاء الشيخ صبري إلى مصر في وقت كانت النخبة المصرية تنقسم بين مؤيد ومعارض لمصطفى كمال وإصلاحاته، ولذلك فقد ساهم بمقالاته وكتبه في تعميق هذا الفرز بين الطرفين.
وحول هذه الشخصية الإشكالية صدر مؤخراً في دمشق ضمن سلسلة "أعلام المسلمين" كتاب جديد بعنوان "مصطفى صبري المفكر والعالم الإسلامي وشيخ الإسلام في الدولة العثمانية سابقاً" للدكتور مفرج بن سليمان القوسي (دمشق 2006). وفي مقدمة الكتاب يشير المؤلف إلى أنه رسالة ماجستير في الأصل، وأنه عانى في جمع المادة نظراً لأنه لا توجد أية دراسة عن هذه الشخصية في اللغة العربية.
وفي الحقيقة لدينا كتاب آخر عنه صدر قبل عشر سنوات (القاهرة 1996) بعنوان: "شيخ الإسلام مصطفى صبري" للشيخ توفيق إسلام يحيى الكوسوفي. وكان هذا الشيخ الجليل، الذي جاء من كوسوفو إلى القاهرة للدراسة في الأزهر خلال 1935 وبقي في مصر بعد أن حصل على الجنسية المصرية، قد أهداني نسخة من كتابه خلال إحدى زياراتي للقاهرة وعرفت منه آنذاك أنه كان على علاقة شخصية قوية مع الشيخ مصطفى صبري.
وهكذا يمكن القول أن الكتاب الأول يعتمد كثيراً على الذكريات للعلاقة الحميمة التي ربطت بين الشخصيتين، والتي كانت بطبيعة الحال أقرب إلى علاقة التلميذ بالمعلم، والتي توطدت أكثر بسبب مشاعر الغربة المشتركة، حيث أن كلاً منهما كان محروماً من العيش في وطنه. فقد كانت الحكومة التركية قد وضعت اسم الشيخ صبري ضمن قائمة الـ150 شخصية التي حرمت من العودة إلى تركيا وجردت من الجنسية التركية، كما أن الشيخ توفيق لم يشأ أن يعود إلى وطنه (كوسوفو) بعد أن فصل عن ألبانيا وضم إلى يوغسلافيا ثانية (1945) بعد تسلم الحزب الشيوعي للحكم هناك.
رد: شيخ الإسلام مصطفى صبري العثماني رحمه الله
ومع ذلك فقد ضمّن الشيخ توفيق كتابه الكثير من المعلومات عن الشيخ مصطفى صبري، وبالتحديد فيما يتعلق بدراسته ونشاطه العلمي والسياسي وجولته في المنطقة العربية ولا سيما مصر والحجاز.
ومع أن د. القوسي لم يعرف بهذا الكتاب، وهذا ما يمكن تبريره بأن الكتاب صدر عن جهة معنية بشؤون كوسوفو والألبان (ألبا برس)، إلا أن الكثير من المعلومات الواردة فيه نجدها في كتاب د. القوسي. وهذا إن دل على شيء فهو أن المصادر بين الكتابين كانت مشتركة.
ومع ذلك يمكن القول أن الكتابين يجمعهما الإعجاب الكبير بهذه الشخصية الذي يتجاوز المألوف. فالناشر للكتاب الأول (بكر إسماعيل) يعرّف بالشيخ صبري بكونه "أعظم مفكر وعالم إسلامي أنجبته دولة الخلافة الإسلامية العثمانية في تاريخها"، بينما يقول عنه ناشر الكتاب الثاني (محمد علي دولة) أنه "يعتبر علماً من أعلام الفكر الإسلامي الحديث الذين قاوموا التبعية الفكرية الذليلة للغرب".
وإن كان الإعجاب يؤدي عادة إلى المبالغة إلا أنه يوصل أحياناً إلى المغالطة. فالشيخ صبري أصبح شيخاً للإسلام في ظل الاحتلال الأجنبي لاسطنبول، وبالتحديد مع حكومة فريد باشا المعروف بولائه للإنجليز، وتعاونه مع الاحتلال الأجنبي، ولذلك فقد كان من الطبيعي أن يعارض بقوة حركة المقاومة المسلحة التي قادها مصطفى كمال في الأناضول ضد الاحتلال الأجنبي. ومن هنا فقد استقبل الشيخ صبري أسوأ استقبال حين لجأ إلى مصر بعد إلغاء السلطنة في تشرين الثاني 1922م، حيث هوجم هناك بأشد العبارات في الصحافة المصرية وحتى من الأزهريين، مما دفعه إلى مغادرة مصر بسرعة إلى الحجاز في تشرين الثاني 1923م تلبية لدعوة "ملك العرب" الشريف حسين بن علي، الذي استضاف أيضاً السلطان العثماني المخلوع محمد السادس.
وفيما يتعلق بإقامته في الحجاز التي انتهت بسرعة أيضاً، حيث غادره الشيخ صبري إلى لبنان في كانون الثاني 1924، نجد تفسيرين مختلفين في الكتابين. فكتاب الشيخ توفيق ينفرد برواية مصدرها اعتراف الشيخ صبري للمؤلف مفادها أن الشريف حسين كان كثير الاهتمام بالضيفين الكبيرين، ولكنه في إحدى الليالي قام بزيارة السلطان محمد السادس وطلب منه أن يتنازل له عن الخلافة، إلا أن السلطان طلب منه مهلة للتفكير. وفي اليوم التالي أسرّ السلطان للشيخ صبري بما حدث ولما سأله الشيخ صبري عن قراره أخبره بضرورة مغادرتهما الحجاز بسرعة. وهكذا بعد ثلاثة أيام فقط غادرا الحجاز معاً ولكن في اتجاهين مختلفين، حيث ذهب السلطان إلى إيطاليا بينما ذهب الشيخ صبري إلى لبنان ومنه إلى اليونان حيث طلب اللجوء السياسي. أما د. القوسي فيعزو في كتابه قرار الشيخ صبري بمغادرة الحجاز إلى أسباب صحية بحتة، حيث أن مناخ الحجاز لم يناسب الشيخ صبري وأسرته، مع أنه كان في شتاء 1923-1924 أي حين يكون المناخ في الصيف ألطف من فصول السنة الأخرى.
وينفرد الكتاب الأول بتفاصيل زيارة الشيخ صبري إلى ألبانيا وهو الأمر الذي غاب كلياً عن كتاب د. القوسي. ومن الطبيعي أن يهتم الشيخ توفيق الكوسوفي بزيارة الشيخ صبري إلى ألبانيا التي كانت تعتبر "الدولة الأم" لألبان كوسوفو أيضاً. ومن المفارقة هنا أن الشيخ صبري قد حل ضيفاً على زميله في البرلمان العثماني إسماعيل كمال الذي أصبح رئيساً لأول حكومة ألبانية بعد إعلان الاستقلال عن الدولة العثمانية في 28/11/1912م. فالشيخ صبري الذي استقبل بحفاوة كبيرة، لم يسجل أي اعتراض على ما قام به إسماعيل كمال في الوقت الذي كانت صحافة اسطنبول تعتبر أن "انفصال" الألبان كان طعنة في ظهر الدولة العثمانية.
ومع ذلك لا بد من القول أن كتاب د. القوسي يتميز عن الكتاب الأول باستقصاء أفكار ومواقف الشيخ صبري من خلال مقالاته وكتبه سواء في التركية (مع أنه لا يعرف التركية) أو في العربية وهي كثيرة بطبيعة الحال، والتي اشتملت على القضايا الجديدة التي أخذت تشغل النخبة الجديدة في العالم الإسلامي (ترجمة القرآن الكريم، استبدال الحروف العربية بحروف أخرى لكتاب لغات الشعوب المسلمة، العلاقة مع الغرب إلخ). ولكن لا بد من القول هنا ان أفكار ومواقف الشيخ صبري هنا كانت منفعلة في بعض الاحيان وكان على المؤلف أن يراجعها في ضوء ما استجد بعد نصف قرن من وفاته . فلم تعد ترجمة القرآن الكريم الآن بمشكلة بعدما صدر في مختلف اللغات، ولم تعد الحروف اللاتينية عند الاتراك تعتبر مشكلة أو مؤامرة لإبعاد الاتراك عن الاسلام، حيث أن انتخابات عام 2007 في تركيا قد أثبتت ان الاتراك لم يبتعدوا عن الاسلام مع كتابتهم للغتهم بالحروف اللاتينية التي لا تمنعهم الآن من قراءة مؤلفات الشيخ صبري أيضا بعدما صدرت مؤخرا في هذه الحروف.
أستاذ التاريخ الحديث في جامعة آل البيت/ الاردن
ومع أن د. القوسي لم يعرف بهذا الكتاب، وهذا ما يمكن تبريره بأن الكتاب صدر عن جهة معنية بشؤون كوسوفو والألبان (ألبا برس)، إلا أن الكثير من المعلومات الواردة فيه نجدها في كتاب د. القوسي. وهذا إن دل على شيء فهو أن المصادر بين الكتابين كانت مشتركة.
ومع ذلك يمكن القول أن الكتابين يجمعهما الإعجاب الكبير بهذه الشخصية الذي يتجاوز المألوف. فالناشر للكتاب الأول (بكر إسماعيل) يعرّف بالشيخ صبري بكونه "أعظم مفكر وعالم إسلامي أنجبته دولة الخلافة الإسلامية العثمانية في تاريخها"، بينما يقول عنه ناشر الكتاب الثاني (محمد علي دولة) أنه "يعتبر علماً من أعلام الفكر الإسلامي الحديث الذين قاوموا التبعية الفكرية الذليلة للغرب".
وإن كان الإعجاب يؤدي عادة إلى المبالغة إلا أنه يوصل أحياناً إلى المغالطة. فالشيخ صبري أصبح شيخاً للإسلام في ظل الاحتلال الأجنبي لاسطنبول، وبالتحديد مع حكومة فريد باشا المعروف بولائه للإنجليز، وتعاونه مع الاحتلال الأجنبي، ولذلك فقد كان من الطبيعي أن يعارض بقوة حركة المقاومة المسلحة التي قادها مصطفى كمال في الأناضول ضد الاحتلال الأجنبي. ومن هنا فقد استقبل الشيخ صبري أسوأ استقبال حين لجأ إلى مصر بعد إلغاء السلطنة في تشرين الثاني 1922م، حيث هوجم هناك بأشد العبارات في الصحافة المصرية وحتى من الأزهريين، مما دفعه إلى مغادرة مصر بسرعة إلى الحجاز في تشرين الثاني 1923م تلبية لدعوة "ملك العرب" الشريف حسين بن علي، الذي استضاف أيضاً السلطان العثماني المخلوع محمد السادس.
وفيما يتعلق بإقامته في الحجاز التي انتهت بسرعة أيضاً، حيث غادره الشيخ صبري إلى لبنان في كانون الثاني 1924، نجد تفسيرين مختلفين في الكتابين. فكتاب الشيخ توفيق ينفرد برواية مصدرها اعتراف الشيخ صبري للمؤلف مفادها أن الشريف حسين كان كثير الاهتمام بالضيفين الكبيرين، ولكنه في إحدى الليالي قام بزيارة السلطان محمد السادس وطلب منه أن يتنازل له عن الخلافة، إلا أن السلطان طلب منه مهلة للتفكير. وفي اليوم التالي أسرّ السلطان للشيخ صبري بما حدث ولما سأله الشيخ صبري عن قراره أخبره بضرورة مغادرتهما الحجاز بسرعة. وهكذا بعد ثلاثة أيام فقط غادرا الحجاز معاً ولكن في اتجاهين مختلفين، حيث ذهب السلطان إلى إيطاليا بينما ذهب الشيخ صبري إلى لبنان ومنه إلى اليونان حيث طلب اللجوء السياسي. أما د. القوسي فيعزو في كتابه قرار الشيخ صبري بمغادرة الحجاز إلى أسباب صحية بحتة، حيث أن مناخ الحجاز لم يناسب الشيخ صبري وأسرته، مع أنه كان في شتاء 1923-1924 أي حين يكون المناخ في الصيف ألطف من فصول السنة الأخرى.
وينفرد الكتاب الأول بتفاصيل زيارة الشيخ صبري إلى ألبانيا وهو الأمر الذي غاب كلياً عن كتاب د. القوسي. ومن الطبيعي أن يهتم الشيخ توفيق الكوسوفي بزيارة الشيخ صبري إلى ألبانيا التي كانت تعتبر "الدولة الأم" لألبان كوسوفو أيضاً. ومن المفارقة هنا أن الشيخ صبري قد حل ضيفاً على زميله في البرلمان العثماني إسماعيل كمال الذي أصبح رئيساً لأول حكومة ألبانية بعد إعلان الاستقلال عن الدولة العثمانية في 28/11/1912م. فالشيخ صبري الذي استقبل بحفاوة كبيرة، لم يسجل أي اعتراض على ما قام به إسماعيل كمال في الوقت الذي كانت صحافة اسطنبول تعتبر أن "انفصال" الألبان كان طعنة في ظهر الدولة العثمانية.
ومع ذلك لا بد من القول أن كتاب د. القوسي يتميز عن الكتاب الأول باستقصاء أفكار ومواقف الشيخ صبري من خلال مقالاته وكتبه سواء في التركية (مع أنه لا يعرف التركية) أو في العربية وهي كثيرة بطبيعة الحال، والتي اشتملت على القضايا الجديدة التي أخذت تشغل النخبة الجديدة في العالم الإسلامي (ترجمة القرآن الكريم، استبدال الحروف العربية بحروف أخرى لكتاب لغات الشعوب المسلمة، العلاقة مع الغرب إلخ). ولكن لا بد من القول هنا ان أفكار ومواقف الشيخ صبري هنا كانت منفعلة في بعض الاحيان وكان على المؤلف أن يراجعها في ضوء ما استجد بعد نصف قرن من وفاته . فلم تعد ترجمة القرآن الكريم الآن بمشكلة بعدما صدر في مختلف اللغات، ولم تعد الحروف اللاتينية عند الاتراك تعتبر مشكلة أو مؤامرة لإبعاد الاتراك عن الاسلام، حيث أن انتخابات عام 2007 في تركيا قد أثبتت ان الاتراك لم يبتعدوا عن الاسلام مع كتابتهم للغتهم بالحروف اللاتينية التي لا تمنعهم الآن من قراءة مؤلفات الشيخ صبري أيضا بعدما صدرت مؤخرا في هذه الحروف.
أستاذ التاريخ الحديث في جامعة آل البيت/ الاردن
رد: شيخ الإسلام مصطفى صبري العثماني رحمه الله
مجهود رائع يا نهله
شكرا لك
شكرا لك
Dr_Hazem- مشرف فى منتدى الفنان
- عدد الرسائل : 931
العمر : 39
البلد : جمهوريه الشرقيه الاسلاميه المتحده ...الخ
رقم العضوية : 451
اللقب : الشيخ الطبيب
الدولة :
تاريخ التسجيل : 21/01/2008
رد: شيخ الإسلام مصطفى صبري العثماني رحمه الله
شكرا نور
بارك الله فيك
بارك الله فيك
hoss65- فنان راقى جدا
- عدد الرسائل : 3219
العمر : 59
البلد : جده
رقم العضوية : 419
تاريخ التسجيل : 25/12/2007
سندريلا- فنان راقى جدا
- عدد الرسائل : 3509
العمر : 35
البلد : الشرقية الجميلة
اللقب : سندريلا الحب
الدولة :
تاريخ التسجيل : 12/08/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى